للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهَا: أَنْ يَنْوِيَ لَا يَفْعَلُهُ بِنَفْسِهِ، فَلَا يحنث إذا أمر غيره بفعله، لا يختلف المذهب فيه اعتباراً بنيته، سَوَاءٌ جَلَّ قَدْرُ الْحَالِفِ أَوْ قَلَّ.

وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَنْوِيَ أَنَّهُ لَا كَانَ مِنْهُ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ الْفِعْلَ وَلَا كَانَ بَاعِثًا عَلَيْهِ فَيَحْنَثُ إِذَا أَمَرَ غَيْرَهُ بِفِعْلِهِ كَمَا يَحْنَثُ إِذَا فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ، لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ بَاعِثًا عَلَيْهِ سَوَاءٌ جَلَّ قَدْرُ الْحَالِفِ أَوْ قَلَّ.

وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ تَكُونَ يَمِينُهُ مُطْلَقَةً لَمْ تَقْتَرِنْ بِهَا نِيَّةٌ، فَيَنْقَسِمُ ذَلِكَ الْفِعْلُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ ثَلَاثَةَ أقسامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الْعُرْفُ فِي فِعْلِهِ جَارِيًا بِالْأَمْرِ دُونَ الْمُبَاشَرَةِ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ، كَقَوْلِهِ: وَاللَّهِ لَا احْتَجَمْتُ، وَلَا افْتَصَدْتُ وَلَا حَلَقْتُ رَأْسِي، وَلَا بَنَيْتُ دَارِي، فَإِذَا أَمَرَ غَيْرَهُ بِالْحِجَامَةِ وَفَصَدَهُ وَحَلَقَ رأسه، وبناء دَارَهُ حَنِثَ سَوَاءٌ جَلَّ قَدْرُ الْحَالِفِ أَوْ قَلَّ، لِأَنَّهُ لَمْ يَجْرِ فِي الْعُرْفِ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ جَلِيلٍ أَنْ يُبَاشِرَ فِعْلَهَا فِي نَفْسِهِ إِلَّا بِأَمْرِهِ، فَصَارَ الْعُرْفُ فِيهِ شَرْطًا يَصْرِفُ حَقِيقَةَ الْفِعْلِ إِلَى مَجَازِهِ فَيَصِيرُ اعْتِبَارُ الْمَجَازِ إِذَا اقْتَرَنَ بِالْعُرْفِ أَوْلَى مِنَ اعْتِبَارِ الْحَقِيقَةِ إِذَا فَارَقَ الْعُرْفَ لِأَنَّ الْعُرْفَ ناقلٌ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْعُرْفُ فِي فِعْلِهِ جَارِيًا بِمُبَاشَرَتِهِ دُونَ أَمْرِهِ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ كَقَوْلِهِ: وَاللَّهِ لَا كَتَبْتُ، وَلَا قَرَأْتُ وَلَا حَجَجْتُ، وَلَا اعْتَمَرْتُ فَإِذَا أَمَرَ غَيْرَهُ بِالْكِتَابَةِ وَالْقِرَاءَةِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لَمْ يَحْنَثْ سَوَاءٌ جَلَّ قَدْرُ الْحَالِفِ أَوْ قَلَّ، لِأَنَّ الْعُرْفَ جارٍ بَيْنَ النَّاسِ بِمُبَاشَرَةِ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ قَلِيلٍ وَجَلِيلٍ، فَصَارَ الْعُرْفُ مُقْتَرِنًا بِالْحَقِيقَةِ دُونَ الْمَجَازِ فَخَرَجَ مَجَازُهُ عَنْ حُكْمِهِ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْعُرْفُ مُخْتَلِفًا فِي مُبَاشَرَةِ فِعْلِهِ فَيُبَاشِرُهُ مَنْ دَنَا، وَلَا يُبَاشِرُهُ مَنْ عَلَا، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقْتَرِنَ بِعُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ فِي الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمَا عُرْفُ الشَّرْعِ وَهُوَ إِقَامَةُ الْحُدُودِ الَّتِي لَا يُقِيمُهَا فِي الشَّرْعِ وَالْعُرْفِ إِلَّا أُولُو الْأَمْرِ مِنْ ذِي وِلَايَةٍ وَسُلْطَانٍ، فَيَحْنَثُ الْآمِرُ بِهَا إِنْ كَانَ مِنْ أُولِي الْأَمْرِ وَإِنْ لَمْ يُبَاشِرْهَا، كَمَا قِيلَ: جَلَدَ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - زَانِيًا، وَرَجَمَ مَاعِزًا وَقَطَعَ سَارِقًا، وَلَا يَحْنَثُ بِهَا غَيْرُ أُولِي الْأَمْرِ حَتَّى يُبَاشِرَهَا بِفِعْلِهِ، لأنه غير نافذ الأسر فِيهِمَا.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَنْفَرِدَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا بِعُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ دُونَ عُرْفِ الشَّرْعِ، فَيُبَاشِرُهُ مَنْ دَنَا، وَلَا يُبَاشِرُهُ مَنْ عَلَا تَنَزُّهًا وَتَصَوُّنًا كَعُقُودِ الْبُيُوعِ وَالْأَشْرِبَةِ وَتَأْدِيبِ الْعَبِيدِ وَالْخَدَمِ، فَيَنْقَسِمُ حَالُ الْحَالِفِ وَالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ عُرْفُ الْحَالِفِ جَارِيًا بِمُبَاشَرَتِهِ، كرجلٍ مِنْ عَوَامِّ السُّوقَةِ حَلَفَ

<<  <  ج: ص:  >  >>