وَقَدْ رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ماعزاً بإقرار، وَرَجَمَ الْغَامِدِيَّةَ بِإِقْرَارِهَا وَقَطَعَ سَارِقَ رِدَاءِ صَفْوَانَ بِإِقْرَارِهِ. وَقَدْ حَكَمَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ بِالْإِقْرَارِ فِي قَضَايَاهُمْ وَلَمْ يَزَلِ الْحُكَّامُ يَعْمَلُونَ عَلَيْهِ وَيَأْخُذُونَ بِهِ.
وَلِأَنَّ أَكْثَرَ الْحُقُوقِ لَا يُوصَلُ إِلَيْهَا إِلَّا بِالْإِقْرَارِ فَكَانَتِ الضَّرُورَةُ دَاعِيَةً إِلَى الْأَخْذِ بِهِ وَالْحَاجَةُ مَاسَّةً إِلَى الْعَمَلِ عَلَيْهِ.
وَلِأَنَّهُ لَمَّا لَزِمَ الْحُكْمُ بِالشَّهَادَةِ مَعَ احْتِمَالِهَا كَانَ الْحُكْمُ بِالْإِقْرَارِ مَعَ قِلَّةِ الِاحْتِمَالِ فِيهِ أَوْلَى، وَكَذَلِكَ كَتَبَ الْحُكَّامُ فِي قَضَايَاهُمْ إِذَا كَانَتْ عَنْ شَهَادَةٍ: أَنَّ كُلَّ ذِي حَقٍّ عَلَى حَقِّهِ، وَلَمْ يَكْتُبُوا مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ بِالْإِقْرَارِ.
فَصْلٌ
: فَإِذَا ثَبَتَ وُجُوبُ الْحُكْمِ بِالْإِقْرَارِ، فَحَقِيقَةُ الْإِقْرَارِ:
الْإِخْبَارُ بِحَقٍّ عَلَيْهِ.
وَحَقِيقَةُ الشَّهَادَةِ: الْإِخْبَارُ بِحَقٍّ عَلَى غَيْرِهِ.
فَاجْتَمَعَا مِنْ حَيْثُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ إِخْبَارٌ بِحَقٍّ وَافْتَرَقَا مِنْ حَيْثُ أَنَّ الْحَقَّ فِي الْإِقْرَارِ عَلَيْهِ، وَالْحَقَّ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى غَيْرِهِ.
: وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْإِقْرَارُ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِشُرُوطٍ أَرْبَعَةٍ: بِمُقِرٍّ، وَمُقَرٍّ لَهُ، وَمُقَرٍّ بِهِ، وَمُقَرٍّ عِنْدَهُ.
فَأَمَّا الشَّرْطُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ الْمُقِرُّ: فَهُوَ الْمُخْبِرُ بِالْحَقِّ عَلَيْهِ وَالْمُقِرُّونَ ضَرْبَانِ: مُكَلَّفٌ وَغَيْرُ مُكَلَّفٍ. فَأَمَّا غَيْرُ الْمُكَلَّفِ، وَهُوَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ فَإِقْرَارُهُمَا بَاطِلٌ سَوَاءٌ كَانَ بِمَالٍ أَوْ بدَنٍ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْإِفَاقَةِ.
وَجَوَّزَ أبو حنيفة إِقْرَارَ الْمُرَاهِقِ إِذَا كَانَ بِإِذْنِ أَهْلِهِ أَوْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي عَقْدٍ فَأَقَرَّ بِدَيْنٍ صَحَّ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ إِسْلَامِهِ وَجَوَازِ عَقْدِهِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ، وَاسْتِدْلَالًا بِأَنَّ مَنْ صَحَّتْ وَصِيَّتُهُ صَحَّ إِقْرَارُهُ كَالْبَالِغِ. وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّ عَدَمَ التَّكْلِيفِ يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ كَالْجُنُونِ، وَلِأَنَّ كُلَّ إِقْرَارٍ مَنَعَ مِنْهُ الْجُنُونُ مَنْعَ مِنْهُ الصِّغَرُ كَالْإِقْرَارِ بِالْبَدَنِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الَّذِي بُنِيَ عَلَيْهِ جَوَازُ إقراره أنه
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute