للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَنْفِيٌّ عَنْهُ بِغَيْرِ لِعَانٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْفِرَاشِ الْمُوجِبِ لِلُحُوقِ الْوَلَدِ وَلِإِمْكَانِ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ عَلَى وَقْتِ الْوِلَادَةِ، فَإِنْ نَكَلَ الزَّوْجُ عَنِ الْيَمِينِ رُدَّتْ عَلَى الزَّوْجَةِ يَمِينُهَا أَنْ تَحْلِفَ بِاللَّهِ أَنَّ هَذَا الْوَلَدَ مِنْهُ مَا هُوَ مِنْ غَيْرِهِ وَجْهًا وَاحِدًا، لِأَنَّهَا فِي ذَلِكَ عَلَى يَقِينٍ بِخِلَافِ غَيْرِهَا، فَإِذَا حَلَفَتْ لَحِقَ بِالزَّوْجِ وَلَهُ نَفْيُهُ بِاللِّعَانِ وَإِنْ نَكَلَتْ عَنِ الْيَمِينِ فَهَلْ تُوقَفُ عَلَى بُلُوغِ الْوَلَدِ أَمْ لَا؟ عَلَى مَا مَضَى مِنَ الْوَجْهَيْنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(مَسْأَلَةٌ)

قَالَ الْمُزَنِيُّ: " (قَالَ) فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ لَوْ قَالَ لَهَا مَا هَذَا الْحَمْلُ مِنِّي وَلَيْسَتْ بِزَانِيَةٍ وَلَمْ أُصِبْهَا قَدْ تُخْطِئُ فَلَا يكون حملاً فيكون صادقاً وهي غير غَيْرُ زَانِيَةٍ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ فَمَتَى اسْتَيْقَنَّا أَنَّهُ حَمْلٌ قُلْنَا قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ تَأْخُذَ نُطْفَتَكَ فَتُدْخِلَهَا فَتَحْمَلَ مِنْكَ فَتَكُونَ صَادِقًا بِأَنَّكَ لَمْ تُصِبْهَا وَهِيَ صَادِقَةٌ بِأَنَّهُ وَلَدُكَ فَإِنْ قَذَفْتَ لَاعَنَتْ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا أَنْ يَظْهَرَ بِالزَّوْجَةِ حَمْلٌ فَيَقُولُ: مَا هَذَا الْحَمْلُ مِنِّي وَلَيْسَتْ بِزَانِيَةٍ وَلَمْ أُصِبْهَا، قِيلَ: قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَمْلُ غِلَظًا أَوْ رِيحًا فَلَا يَعْجَلُ، فَإِنْ تَيَقَّنَاهُ حَمْلًا صَحِيحًا قِيلَ: قَدْ يَجُوزُ أَنْ تُدْخِلَ نَطْفَتَكَ فَتَعْلَقَ مِنْهَا فَيَكُونُ الْحَمْلُ مِنْكَ وَهِيَ عَفِيفَةٌ.

وَأَنْتَ صَادِقٌ فَلَا يَنْتَفِي عَنْكَ بِهَذَا الْقَوْلِ، وَلَا اعْتِبَارَ فِي الشَّرْعِ بِمَا يَقُولُهُ أَهْلُ الطِّبِّ: إِنَّ النُّطْفَةَ إِذَا لَمْ تَسْتَقِرَّ فِي الرَّحِمِ مِنْ مَخْرَجِ الذَّكَرِ وَأَصَابَهَا الْهَوَاءُ فَبَرُدَتْ لَمْ يكون مِنْهَا عُلُوقٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ " وَهُوَ يَلْحَقُ بِالْإِمْكَانِ وَلَا يَنْتَفِي بِالْإِمْكَانِ، وَهَكَذَا لَوْ قَالَ: أَنَا عَقِيمٌ وَهِيَ عَفِيفَةٌ وَلَيْسَ الْوَلَدُ مِنِّي قِيلَ: هَذَا ظَنٌّ فَاسِدٌ وَهَكَذَا لَوْ قَالَ: هِيَ عَاقِرٌ لِأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ تَلِدَ الْعَاقِرُ وَيُولَدَ لِلْعَقِيمِ. هَذَا نَبِيُّ اللَّهِ زَكَرِيَّا يَقُولُ: {رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وقد بلغت من الكبر عتيا} [آل عمران: ٤] فَأَجَابَهُ اللَّهُ تَعَالَى: {كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا} [مريم: ٩] فَجَاءَهُمَا الْوَلَدُ بَعْدَ الْإِيَاسِ مِنْهُ.

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَنْتَفِ عَنْهُ بِهَذَا الْقَوْلِ إِذَا صَدَّقَهَا عَلَى الْوِلَادَةِ إِلَّا أَنْ يَنْسِبَهُ إِلَى وَطْءِ غَيْرِهِ دَخَلَ عَلَى فِرَاشِهِ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يُلَاعِنَ عَلَيْهِ فَيَنْتَفِي عَنْهُ بِلِعَانِهِ بَعْدَ إِضَافَتِهِ إِلَى وَطْءِ غَيْرِهِ على ما سنشرحه.

[(مسألة)]

قال الشافعي: " فَإِنْ نَفَى وَلَدَهَا وَقَالَ لَا أُلَاعِنُهَا وَلَا أَقْذِفُهَا لَمْ يُلَاعِنْهَا وَلَزِمَهُ الْوَلَدُ وَإِنْ قَذَفَهَا لاعنها لأنه إذا لاعنها بغير قذف فإنما يدعي أنها لم تلده وقد حكت أنها ولدته وإنما أوجب الله اللعان بالقذف فلا يجب بغيره ". قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، وَلَدُ الْمَرْأَةِ لَاحِقٌ زَوْجَهَا إِذَا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ، وَذَلِكَ بِأَنْ تَلِدَهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مِنْ وَقْتِ عَقْدِهِ إِذَا أَمْكَنَ اجْتِمَاعُهُمَا، وَلَا يَقِفُ

<<  <  ج: ص:  >  >>