وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْإِجَارَةِ الْخِدْمَةُ، لِأَنَّ لَبَنَ الرَّضَاعِ غَيْرُ مَجْهُولَةٍ لَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ عَلَيْهَا مِنَ الْقِيَامِ بِالْخِدْمَةِ فَصَارَ الرَّضَاعُ تَبَعًا لِمَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ عَلَيْهِ مِنَ الْقِيَامِ بِالْخِدْمَةِ فَعَلَى هَذَا لَا يَلْزَمُهَا فِي اسْتِحْقَاقِ الرَّضَاعِ عَلَيْهَا الْقِيَامُ بِخِدْمَتِهِ إِلَّا بِشَرْطٍ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ مَعْلُولٌ، لِأَنَّهُ لَوْ صَارَ لِهَذَا الْمَعْنَى الرَّضَاعُ تَبَعًا لِلْقِيَامِ بِالْخِدْمَةِ لَمَا جَازَ إِفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ إِذَا شَرَطَ فِيهِ إِسْقَاطَ الْقِيَامِ بِالْخِدْمَةِ وَمَا أَحْسَبُ أَحَدًا يَمْنَعُ مِنْهُ.
(فَصْلٌ:)
فَإِذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ جَوَازِ الْخُلْعِ عَلَى رَضَاعِ وَلَدِهِ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ فَمَاتَ الْوَلَدُ فَفِي بُطْلَانِ الْخُلْعِ بِمَوْتِهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: رَوَاهُ الْمُزَنِيُّ فِي جَامِعِهِ الْكَبِيرِ أَنَّ الْخُلْعَ لَا يَبْطُلُ وَلِلْأَبِ أَنْ يَأْتِيَهَا بِغَيْرِهِ لِتُرْضِعَهُ حَوْلَيْنِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْوَلَدَ فِي الرَّضَاعِ مُسْتَوْفٍ لِمَا تَضَمَّنَهُ الْعَقْدُ وَمَوْتُ الْمُسْتَوْفِي لِمَا تَضَمَّنَهُ الْعَقْدُ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ، كَمَنِ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا فَمَاتَ لَمْ تَبْطُلِ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِهِ وَقَامَ غَيْرُهُ فِي الرُّكُوبِ مَقَامَهُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ أَظْهَرُهُمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ وَنَقَلَهُ الْمُزَنِيُّ هَا هُنَا أَنَّ الْخُلْعَ قَدْ بَطَلَ بِمَوْتِهِ لِعِلَّتَيْنِ:
إِحْدَاهُمَا: أَنَّهَا لَا تَدُرُّ عَلَى غَيْرِ وَلَدِهَا وَلَا يَسْتَمْرِي غَيْرُ وَلَدِهَا لَبَنَهَا كَمَا يَسْتَمْرِيهِ وَلَدُهَا وَلَا يَتَرَأَّمُهُ غَيْرُ وَلَدِهَا كَمَا يَتَرَأَّمُهُ وَلَدُهَا هَكَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَمَعْنَى: يَتَرَأَّمُهَا أَيْ: يستلذه.
والعلة الثانية: أن ما يرتوي كُلَّ طِفْلٍ مِنَ اللَّبَنِ مُخْتَلِفٌ فَبَعْضُهُمْ يَرْتَوِي بِالْقَلِيلِ، وَبَعْضُهُمْ لَا يَرْتَوِي إِلَّا بِالْكَثِيرِ، وَبَعْضُهُمْ يَرْتَوِي بِسُهُولَةٍ، وَبَعْضُهُمْ بِعُنْفٍ فَذَلِكَ لَمْ يَقُمْ فِيهِ وَاحِدٌ مَقَامَ وَاحِدٍ وَكَانَ الْمُعَيَّنُ فِيهِ مُتَعَيَّنًا بِالْعَقْدِ فَعَلَى اخْتِلَافِ هَذَيْنِ التَّعْلِيلَيْنِ لَوْ خالعها وَلَدِهِ مِنْ غَيْرِهَا فَمَاتَ كَانَ لَهُ عَلَى التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ إِبْدَالُهُ بِغَيْرِهِ، وَلَيْسَ لَهُ عَلَى التَّعْلِيلِ الثَّانِي أَنْ يُبَدِّلَهُ، وَهَكَذَا لَوْ خَالَعَهَا عَلَى وَلَدِهِ مِنْهَا، وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ آخَرُ فَلَهُ عَلَى التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ أَنْ يُقِيمَهُ مَقَامَ الْمَيِّتِ، وَلَيْسَ لَهُ عَلَى التَّعْلِيلِ الثَّانِي أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ.
(فَصْلٌ:)
فَإِذَا تَقَرَّرَ تَوْجِيهُ الْقَوْلَيْنِ فَإِنْ قُلْنَا بِبُطْلَانِ الْخُلْعِ وَأَنْ لَيْسَ لَهُ إِبْدَالُ الْوَلَدِ إِذَا مَاتَ بِغَيْرِهِ فَفِيمَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهما قَوْلَانِ مَضَيَا:
أَحَدُهُمَا: بِمَهْرِ الْمِثْلِ.
وَالثَّانِي: بِأُجْرَةِ رَضَاعِ الْحَوْلَيْنِ.
وَإِنْ قُلْنَا إِنَّ الْخُلْعَ لَا يَبْطُلُ وَإِنَّ لَهُ أَنْ يَأْتِيَهَا بِغَيْرِهِ فَإِنْ أَتَاهَا بِغَيْرِهِ أَرْضَعَتْهُ تَمَامَ الْحَوْلَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِهَا بِغَيْرِهِ حَتَّى مَضَى الْحَوْلَانِ ففيه وجهان: