للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ هَذَا الْإِفْضَاءُ بِوَطْءٍ وَهُوَ الْأَغْلَبُ لَمْ يَخْلُ حَالُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مِنْ زَوْجٍ فِي نِكَاحٍ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ.

وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مِنْ زِنًا.

فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِنْ زَوْجٍ فِي عَقْدِ نِكَاحٍ فَعَلَيْهِ دِيَةُ الْإِفْضَاءِ وَكَمَالُ الْمَهْرِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِفْضَاؤُهَا غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الزَّوْجِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَهْرِ، اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ مَا اسْتُبِيحَ مِنَ الْوَطْءِ لَمْ يُضْمَنْ بِهِ مَا حَدَثَ مِنِ اسْتِهْلَاكٍ كَزَوَالِ الْعُذْرَةِ، وَلِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُبَاحَ لَا تُضْمَنُ سِرَايَتُهُ كَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ.

وَدَلِيلُنَا: هُوَ أَنَّهَا جِنَايَةٌ قَدْ يَتَجَرَّدُ الْوَطْءُ عَنْهَا فَلَمْ يَدْخُلْ أَرْشُهَا فِي حُكْمِهِ كَالْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ لَا يَسْقُطُ بِالْمَهْرِ فِيهِ دِيَةُ الْإِفْضَاءِ، وَلِأَنَّهُمَا حَقَّانِ مُخْتَلِفَانِ وَجَبَا بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، لِأَنَّهُ مَهْرٌ مُسْتَحَقٌّ بالتقاء الختانين ودية مُسْتَحَقَّةٌ بِالْإِفْضَاءِ فَجَازَ اجْتِمَاعُهُمَا كَالْجَزَاءِ وَالْقِيمَةِ فِي قَتْلِ الْعَبْدِ الْمَمْلُوكِ، وَلِأَنَّ الْجِنَايَاتِ إِذَا ضَمِنَهَا غَيْرُ الزَّوْجِ ضَمِنَهَا الزَّوْجُ كَقَطْعِ الْأَعْضَاءِ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ الْعُذْرَةُ، لِأَنَّهَا مِنَ الزَّوْجِ مُسْتَحَقَّةٌ، وَبِهَذَا فَرَّقْنَا بَيْنَهُمَا وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ بِحُدُوثِ سِرَايَتِهِ عَنْ فِعْلٍ مُبَاحٍ فَلَيْسَ مَا أَدَّى إِلَى الْإِفْضَاءِ مُبَاحًا، وَجَرَى مَجْرَى ضَرْبِ الزَّوْجَةِ يُسْتَبَاحُ مِنْهُ مَا لَمْ يُؤَدِّ إِلَى التَّلَفِ وَلَا يُسْتَبَاحُ مَا أَدَّى إِلَيْهِ، وَهُوَ يُضْمَنُ فِي الضَّرْبِ مَا أَدَّى إِلَى التَّلَفِ فَوَجَبَ أَنْ يُضْمَنَ بِالْوَطْءِ مَا أَدَّى إِلَى الْإِفْضَاءِ.

(فَصْلٌ)

وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْإِفْضَاءُ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ، فَيَلْزَمُ الْوَاطِئَ بِالشُّبْهَةِ مَهْرُ الْمِثْلِ بِالْوَطْءِ، وَدِيَةُ الْإِفْضَاءِ، وَلَا يَسْقُطُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَلْزَمُهُ دِيَةُ الْإِفْضَاءِ وَيَسْقُطُ بِهَا الْمَهْرُ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ ضَمَانَ الْعُضْوِ بِالْإِتْلَافِ يَدْخُلُ فِيهِ ضَمَانُ الْمَنْفَعَةِ كَمَا يَضْمَنُ يَدَهُ إِذَا قَطَعَهَا بِمَا يَضْمَنُهَا بِهِ لَوْ أَشَلَّهَا.

وَدَلِيلُنَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا " فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ، وَلِأَنَّهَا جِنَايَةٌ قَدْ تَنْفَكُّ عَنْ وَطْءٍ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَدْخُلَ الْمُهْرُ فِي أَرْشِهَا، كَمَا لَوْ قَطَعَ أَحَدَ أَعْضَائِهَا، وَلِأَنَّهُمَا حَقَّانِ مُخْتَلِفَانِ وَجَبَا بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَلَمْ يَتَدَاخَلَا كَالْقِيمَةِ وَالْجَزَاءِ، وَهَذَا يَمْنَعُ مِنْ جَمْعِهِمْ بَيْنَ قَطْعِ الْيَدِ وَشَلَلِهَا.

فَإِذَا ثَبَتَ الْجَمْعُ بَيْنَ مَهْرِ الْمِثْلِ وَدِيَةِ الْإِفْضَاءِ لَمْ يَخْلُ حَالُ الْمُفْضَاةِ مِنْ أَنْ تَكُونَ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا، فَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا الْتَزَمَ مُفْضِيهَا ثَلَاثَةَ أَحْكَامٍ، مَهْرَ مِثْلِهَا، وَدِيَةَ إِفْضَائِهَا، وَحُكُومَةَ اسْتِرْسَالِ بَوْلِهَا، وَإِنْ كَانْتَ بِكْرًا الْتَزَمَ الْأَحْكَامَ الثَّلَاثَةَ، وَهَلْ يلتزم معها أرش بكارتها أو تكون دَاخِلًا فِي دِيَةِ إِفْضَائِهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>