وَالثَّانِي: أَنَّ مَعْنَاهُ اسْتَغْنَتْ يَدَاكَ إِنْ ظَفِرْتَ بِذَاتِ الدِّينِ وَيَكُونُ تَرِبَتْ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَضْدَادِ بمعنى الغنى والفقر رأيه في قدر تلك الصفة، وقسطا مِنْ تِلْكَ الْمُهُورِ، فَزَادَهَا إِنْ كَانَتِ الصِّفَةُ زَائِدَةً، أَوْ نَقَصَهَا إِنْ كَانَتِ الصِّفَةُ نَاقِصَةً، لِأَنَّهُ قَلَّ مَا يَتَسَاوَى صِفَاتُهَا، وَصِفَاتُ جَمِيعِ نِسَاءِ عَصَبَتِهَا فَلَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنِ اعْتِبَارِ مَا اخْتَلَفْنَ فِيهِ بِمَا ذَكَرْنَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا كَلِمَةٌ تُقَالُ عَلَى أَلْسِنَةِ الْعَرَبِ لَا يُرَادُ بِهَا حَمْدٌ وَلَا ذَمٌّ كَمَا يُقَالُ مَا أَشْجَعَهُ قَاتَلَهُ اللَّهُ وَكَالَّذِي حَكَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ سَارَةَ زَوْجَةِ إِبْرَاهِيمَ حِينَ بُشِّرَتْ بِالْوَلَدِ {قَالَتْ يَا وَيْلَتِي أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً) {هود: ٧٢) وَهِيَ لَا تَدْعُو بِالْوَيْلِ عِنْدَ الْبُشْرَى وَلَكِنْ كَلِمَةٌ مَأْلُوفَةٌ لِلنِّسَاءِ عِنْدَ سَمَاعِ مَا يُعَجَّلُ مِنْ فَرَحٍ أَوْ حُزْنٍ، فَإِذَا وُجِدَتْ أَوْصَافُهَا الَّتِي يَخْتَلِفُ بِهَا الْمَهْرُ مِنْ يَسَارِ عَصَبَتِهَا وَكَانَتْ مُهُورُهُنَّ مُقَدَّرَةً صَارَ مَهْرُ مِثْلِهَا ذَلِكَ الْقَدْرَ فَإِنْ خَالَفَتْهُنَّ فِي إِحْدَى الصِّفَاتِ أَشْهَدَ الْحَاكِمُ.
الْقَوْلُ فِي شَرَائِطِ اعْتِبَارِ مَهْرِ الْمِثْلِ
مَسْأَلَةٌ
قَالَ الشافعي: " وَأَجْعَلُهُ نَقْدًا كُلَّهُ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْقِيمَةِ لَا يَكُونُ بدينٍ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ.
فِي الْحُكْمِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ مَعَ اعْتِبَارِ تِلْكَ الأوصاف شرطان:
أحدهما: أن يكون عن نُقُودِ الْأَثْمَانِ، وَالْقِيَمِ وَهِيَ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ، لِأَنَّ قِيَمَ الْمُتْلَفَاتِ لَا تَكُونُ إِلَّا مِنْهَا، وَمَهْرُ الْمِثْلِ قِيمَةُ مُتْلَفٍ، فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ مَهْرُ نِسَاءِ عَصَبَتِهَا إِبِلًا أَوْ عَبِيدًا، أَوْ ثِيَابًا قَوَّمَهَا بِالدَّرَاهِمِ أَوِ الدَّنَانِيرِ، وَحَكَمَ لَهَا بِقِيمَةِ الْإِبِلِ، أَوِ الْعَبِيدِ، أَوِ الثِّيَابِ مِنْ أَغْلَبِ النَّقْدَيْنِ مِنَ الدَّرَاهِمِ أَوِ الدَّنَانِيرِ فِي أَثْمَانِ الْإِبِلِ، وَالْعَبِيدِ دُونَ الْمُهُورِ.
وَالشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ لَا يَحْكُمَ بِهِ إِلَّا حَالًّا، وَإِنْ كَانَ نِسَاءُ عَصَبَتِهَا يُنْكَحْنَ بِمُهُورٍ مُؤَجَّلَةٍ، لِأَنَّ قِيمَةَ الْمُتْلَفِ لَا يَتَأَجَّلُ.
فَإِنْ قِيلَ: أَفَلَيْسَ دِيَةُ الْخَطَأِ مُؤَجَّلَةً، وَهِيَ قِيمَةُ مُتْلَفٍ؟ .
قِيلَ: لَيْسَتِ الدِّيَةُ قِيمَةً لِكَوْنِهَا مُقَدَّرَةً. وَالْقِيمَةُ لَا تَتَقَدَّرُ، وَلَوْ كَانَتْ قِيمَةً لَجَازَ أَنْ تُخَالِفَ أَحْكَامَ الْقِيَمِ فِي التَّأْجِيلِ، كَمَا خَالَفَتْهَا فِي وُجُوبِهَا عَلَى غَيْرِ الْمُتْلِفِ مِنَ الْعَاقِلَةِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ لَا تَجِبُ إِلَّا عَلَى الْمُتْلِفِ.
وَإِذَا وَجَبَ أَنْ يَحْكُمَ بِهَا نَقْدًا حَالًّا وَكَانَتْ مُهُورُهُنَّ مُؤَجَّلَةً نُظِرَ: