للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: نَصَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيُّ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْمُزَابَنَةِ عَامٌّ وَإِبَاحَةُ الْعَرِيَّةِ خَاصٌّ وَالْخَمْسَةُ شَكٌّ وَالْعُمُومُ لَا يَخْتَصُّ بِالشَّكِّ. وَرَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: لَا صَدَقَةَ فِي الْعَرِيَّةِ وَالْخَمْسَةُ وَصَاعِدًا فِيهَا الصَّدَقَةُ " فَلَمْ تَجُزْ أَنْ يَكُونَ مِنْ جُمْلَةِ الْعَرِيَّةِ وَلِأَنَّ الْعَرِيَّةَ تَخْتَصُّ بِالْقَلِيلِ دُونَ الْكَثِيرِ لِتَحْرِيمِهَا فِيمَا زَادَ عَلَى الْخَمْسَةِ لِكَثْرَتِهِ وَإِبَاحَتِهَا فِيمَا دُونَ الْخَمْسَةِ لِقِلَّتِهِ وَالْخَمْسَةُ فِي حد الكثرة لوجوب الزكاة فيه وَمَا دُونَهَا فِي حَدِّ الْقِلَّةِ لِانْتِفَاءِ الزَّكَاةِ عَنْهَا.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: نَصَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ " الْأُمِّ " جَوَازُ الْعَرِيَّةِ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ لِأَنَّ تَحْرِيمَ مَا زَادَ عَلَى الْخَمْسَةِ إِنَّمَا كَانَ لِدُخُولِهِ فِي الْمُزَابَنَةِ قَطْعًا وَتَحْلِيلُ مَا دُونُ الْخَمْسَةِ لِدُخُولِهِ فِي الْعَرِيَّةِ يَقِينًا وَالْخَمْسَةُ وَإِنْ كَانَتْ شَكًّا فَلَا يَجُوزُ إِلْحَاقُهَا بِالْمُزَابَنَةِ دُونَ الْعَرِيَّةِ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لِمَا فِيهِ مِنْ نَفْيِ الشَّكِّ عَنْهَا بَعْدَ ثُبُوتِهِ فِيهَا.

وَالثَّانِي: أَنَّ عُمُومَ الْمُزَابَنَةِ قَدْ صَارَ مَجْهُولًا بِاسْتِثْنَاءِ الْعَرِيَّةِ الْمَجْهُولَةِ مِنْهَا وَإِذَا لَمْ يَجُزْ إِلْحَاقُهَا بِالْمُزَابَنَةِ وَجَبَ إِلْحَاقُهَا بِالْعَرِيَّةِ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْبُيُوعِ الْإِبَاحَةُ لِعُمُومِ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥] . وَالثَّانِي: رِوَايَةُ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَرْخَصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا فَعَمَّ وَلَمْ يَخُصَّ وَاحْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ رِوَايَةُ مَنْ رَوَى فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ عَلَى وجه التخيير لأنها قَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي التَّخْيِيرِ كَمَا تُسْتَعْمَلُ فِي الشَّكِّ.

فَصْلٌ: [الْقَوْلُ فِي جَوَازِ الْعَرِيَّةِ فِيمَا دون خمسة أوسق]

فَإِذَا تَقَرَّرَ تَوْجِيهُ الْقَوْلَيْنِ، فَإِنْ قُلْنَا بِجَوَازِ الْعَرِيَّةِ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَإِنَّمَا نَعْنِي خَمْسَةَ أَوْسُقٍ تَمْرًا تُبَاعُ بِهَا رُطَبًا تَعُودُ إِلَى خَمْسَةِ أَوْسُقٍ تَمْرًا عَلَى مَا نَصِفُهُ فَلَوْ زَادَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْسُقٍ تَمْرًا لَمْ يَجُزْ وَكَانَ عَقْدًا فَاسِدًا، فَإِنْ قِيلَ فَهَلَّا أَبْطَلْتُمُوهُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْخَمْسَةِ وَجَوَّزْتُمُوهُ فِي الْخَمْسَةِ قِيلَ لِأَنَّهُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْخَمْسَةِ قَدْ صَارَ مُزَابَنَةً وَالْمُزَابَنَةُ كُلُّهَا فَاسِدَةٌ، وَإِنْ قُلْنَا إِنَ الْعَرِيَّةَ لَا تَجُوزُ إِلَّا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَلَوْ نَقَصَ مِنَ الْخَمْسَةِ مُدٌّ جَازَ وَكَانَ الْعَقْدُ صَحِيحًا، فَلَوِ ابْتَاعَ رَجُلَانِ مِنْ رَجُلٍ عَشْرَةَ أَوْسُقٍ إِلَّا مُدًّا جَازَ لِأَنَّ ابْتِيَاعَ الرَّجُلَيْنِ إِنَّمَا يَكُونُ بِعَقْدَيْنِ فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَأَنَّهُ قَدِ اشْتَرَى خَمْسَةَ أَوْسُقٍ إِلَّا نِصْفَ مُدٍّ، وَكَذَا لَوِ ابْتَاعَ رَجُلٌ مِنْ رَجُلَيْنِ عَشْرَةَ أَوْسُقٍ إِلَّا مُدًّا جَازَ وَكَأَنَّهُ قَدِ اشْتَرَى مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسَةَ أَوْسُقٍ إِلَّا نِصْفَ مُدٍّ فَلَوِ ابْتَاعَ رَجُلَانِ مِنْ رَجُلَيْنِ عِشْرِينَ وَسْقًا إِلَّا مُدًّا جَازَ لِأَنَّ ابْتِيَاعَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ رَجُلَيْنِ إِنَّمَا يَكُونُ بِأَرْبَعَةِ عُقُودٍ فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الرَّجُلَيْنِ قَدِ ابْتَاعَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الرَّجُلَيْنِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ إِلَّا رُبْعَ مُدٍّ فَصَحَّ ولو ابتاعا عشرين وسقا لم يجز

<<  <  ج: ص:  >  >>