للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيَضْمَنُهُ الْجَلَّادُ عَلَى عَاقِلَتِهِ قَوْلًا وَاحِدًا، لِحُدُوثِهَا عَنْ تَعَدِّيهِ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ مشتركة بين الإمام والجلاد، كأن أمره بأن يَحُدَّهُ ثَمَانِينَ فَحَدَّهُ مِائَةً فَمَاتَ. فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ الضَّمَانَ مُقَسَّطٌ عَلَى أَعْدَادِ الضَّرْبِ ضَمِنَ الإمام خمس الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْإِمَامِ تَعَلَّقَ بِأَرْبَعِينَ مِنْ جُمْلَةِ مِائَةٍ وَضَمِنَ الْجَلَّادُ خُمُسَ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ ضمانه بعشرين من مائة، فإن قِيلَ: إِنَّ الضَّمَانَ مُقَسَّطٌ عَلَى النَّوْعِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي زِيَادَةِ الْإِمَامِ وَالْجَلَّادِ هَلْ تَتَنَوَّعُ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: تَتَنَوَّعُ، فَيَكُونُ الْحَدُّ نَوْعًا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَمَانٌ، وَزِيَادَةُ الْإِمَامِ نَوْعًا يَتَعَلَّقُ بِهِ الضَّمَانُ، وَزِيَادَةُ الجلاد نوعاً يتعلق به الضمان، فتسقط ثُلُثَ الدِّيَةِ وَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ ثُلُثُهَا، وَعَلَى الْجَلَّادِ ثُلُثُهَا لِاخْتِلَافِ الْإِمَامِ وَالْجَلَّادِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لا تتنوع الزيادة، وإن اختلف فاعلها لِتَسَاوِيهَا فِي تَعَلُّقِ الضَّمَانِ بِهَا فَتُسْقِطُ نِصْفُ الدية ويضمن الإمام ربعها، والجلاد ربعها والله أعلم.

[(مسألة)]

قال الشافعي: " وَلَوْ ضَرَبَ امْرَأَةً حَدًّا فَأُجْهِضَتْ لَمْ يَضْمَنْهَا وَضَمِنَ مَا فِي بَطْنِهَا لِأَنَّهُ قَتَلَهُ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ. إِذَا وَجَبَ الْحَدُّ عَلَى حَامِلٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ تُحَدَّ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا، وَيَسْكُنَ أَلَمُ نِفَاسِهَا؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لِلْغَامِدِيَّةِ، حِينَ أَقَرَّتْ عِنْدَهُ بِالزِّنَا، وَكَانَتْ حَامِلًا " اذْهَبِي حَتَّى تَضَعِي حَمْلَكِ) ؛ وَلِأَنَّهُ إِذَا حَدَّهَا فِي حَالِ الْحَمْلِ أَفْضَى إِلَى تَلَفِهَا وَإِجْهَاضِ حَمْلِهَا، وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ مَحْظُورٌ.

وَالْإِجْهَاضُ أَنْ تلقى جنينها مَيْتًا. فَإِنْ أَلْقَتْهُ حَيًّا لَمْ يُسَمَّ إِجْهَاضًا فَإِنْ حَدَّهَا فِي حَمْلِهَا فَلَهَا أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ:

أحدها: أَنْ تَبْقَى عَلَى حَالِ السَّلَامَةِ فِي نَفْسِهَا وَحَمْلِهَا. فَلَا شَيْءَ عَلَى الْإِمَامِ فِي حَدِّهَا وهو مسيء إن علم بحملها وغيره مسيئ إن لم يعلم.

والحال الثانية: أن يجهض مَا فِي بَطْنِهَا وَتَسْلَمَ مِنَ التَّلَفِ، فَيَضْمَنُ جنينها بغرة عبداً أَوْ أَمَةٍ لِأَنَّ عُمَرَ ضَمِنَ جَنِينَ الْمَرْأَةِ الَّتِي أَرْهَبَهَا فَإِنْ عَلِمَ بِحَمْلِهَا ضَمِنَ جَنِينَهَا فِي مَالِهِ، لِأَنَّهُ مِنْ عَمْدِهِ وَإِنْ لَمْ يعمل بِحَمْلِهَا فَهُوَ مِنْ خَطَئِهِ وَفِي دِيَةِ جَنِينِهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: عَلَى عَاقِلَتِهِ.

وَالثَّانِي: فِي بَيْتِ الْمَالِ.

وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ تَمُوتَ مِنْ غَيْرِ إِجْهَاضٍ فَيُنْظَرُ فِي سَبَبِ مَوْتِهَا، فَإِنْ كَانَ من إقامة الحد عليها لَوْ لَمْ تَكُنْ حَامِلًا لَمْ يَضْمَنْهَا. وَإِنْ كان من الحمل الذي يتلف به

<<  <  ج: ص:  >  >>