للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَنْكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنْكِحُهَا إلاَّ زَانٍ أوْ مُشْرِكٍ) {النور: ٣) . وَقَالَ تَعَالَى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لاَ يَسْتَوُونَ) {السجدة: ١٨) .

وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " لَا يَفْرَكُ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كره منها خلقاً رضي منها خلقاً ".

فَأَمَّا الْمُسْلِمَانِ إِذَا كَانَ أَبَوَا أَحَدِهِمَا مُسْلِمَيْنِ وأبوا الأخير كافرين فإنهما يكونا كفئين.

وَقَالَ أبو حنيفة: لَا تَكَافُؤَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ لما لم يتكافئ الآباء لم يتكافئ الْأَبْنَاءُ، وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ فَضْلَ النَّسَبِ يَتَعَدَّى وَفَضْلَ الدِّينِ لَا يَتَعَدَّى، لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَحْصُلُ لِلْأَبْنَاءِ إِلَّا مِنَ الْآبَاءِ فَتَعَدَّى فَضْلُهُ إِلَى الْأَبْنَاءِ، وَالدِّينُ قَدْ يَحْصُلُ لِلْأَبْنَاءِ بِأَنْفُسِهِمْ مِنْ غَيْرِ الْآبَاءِ فَلَمْ يَتَعَدَّ فَضْلُهُ إِلَى الأبناء.

[فصل: الشرط الثاني وهو النسب]

فأما الشَّرْطُ الثَّانِي: وَهُوَ " النَّسَبُ " فَمُعْتَبَرٌ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَحَسَبِهَا " يَعْنِي بِالْحَسَبِ النَّسَبِ ".

وَرُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه قال: " إياكم وخضراء الدمن " وما خضراء الدمن قال ذلك مثل المرأة الْحَسْنَاءِ مِنْ أَصْلٍ خَبِيثٍ "، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالنَّاسُ يَتَرَتَّبُونَ فِي أَصْلِ الْأَنْسَابِ ثَلَاثَ مَرَاتِبَ: قُرَيْش، ثُمَّ سَائِرَ الْعَرَبِ، ثُمَّ الْعَجَمَ.

فَأَمَّا قُرَيْشٌ فَهِيَ أَشْرَفُ الْأُمَمِ لِمَا خَصَّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ رِسَالَتِهِ وَفَضَّلَهُمْ بِهِ مِنْ نبوته ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " قَدِّمُوا قُرَيْشًا وَلَا تَقَدَّمُوهَا، وَتَعَلَّمُوا مِنْ قُرَيْشٍ وَلَا تُعَلِّمُوهَا " فَلَا يُكَافِئُ قُرَيْشِيًّا أَحَدٌ مِنَ العرب والعجم.

واختلف أصحابنا هل تكون قريشاً كُلُّهُمْ أَكْفَاءً فِي النِّكَاحِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: - وَهُوَ مَذْهَبُ الْبَصْرِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَبِهِ قَالَ أبو حنيفة -: أَنَّ جَمِيعَ قُرَيْشٍ أَكْفَاءٌ فِي النِّكَاحِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ " فَلَمَّا كَانَ جَمِيعُ قُرَيْشٍ فِي الْإِمَامَةِ أَكْفَاءً، فَأَوْلَى أَنْ يَكُونُوا فِي النِّكَاحِ أَكْفَاءً ".

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: - وَهُوَ مَذْهَبُ الْبَغْدَادِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِنَا - أَنَّ قُرَيْشًا يَتَفَاضَلُونَ بِقُرْبِهِمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ولا يتكافؤن، لرواية عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " نَزَلَ عَلَيَّ جِبْرِيلُ فَقَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>