أصلها ما رواه سعيد بن أبي شعبة عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا، وَحَسَبِهَا، وَدِينِهَا، وَجِمَالِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ ".
يُقَالُ: تَرِبَ الرَّجُلُ إِذَا افْتَقَرَ وَأَتْرَبَ إِذَا اسْتَغْنَى، وَفِي هَذَا الْقَوْلِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - له ثلاثة تأويلات:
أحدها: أن ترتب هَاهُنَا بِمَعْنَى اسْتَغْنَتْ، وَإِنْ كَانَ فِي اللُّغَةِ بِمَعْنَى افْتَقَرَتْ فَتَصِيرُ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَضْدَادِ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا يَجُوزُ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى مَنْ لَمْ يخالف له أمراً مع أن دعاءه مَقْرُونٌ بِالْإِجَابَةِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ مَعْنَاهُ تَرِبَتْ يَدَاكَ إِنْ لَمْ تَظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ، لِأَنَّ مَنْ لم يظفر بذات الدين سلبت الْبَرَكَةُ فَافْتَقَرَتْ يَدَاهُ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا كَلِمَةٌ تَخِفُّ على ألسنة العرب في خواتيم الكلام ولا يُرِيدُونَ بِهَا دُعَاءً وَلَا ذَمًّا، كَقَوْلِهِمْ مَا أَشْعَرَهُ قَاتَلَهُ اللَّهُ، وَمَا أَرْمَاهُ شُلَّتْ يَدَاهُ.
فإذا ثبت هذا فالشروط الَّتِي تُعْتَبِرُ بِهَا الْكَفَاءَةُ سَبْعَةٌ وَهِيَ: الدِّينُ، والنسب، والحرية، والمكسب، والمال، والبشر، وَالسَّلَامَةُ مِنَ الْعُيُوبِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: الْكَفَاءَةُ مُعْتَبَرَةٌ بالدين وحده.
وقال ابن أبي ليلى: مُعْتَبِرَةٌ بِشَرْطَيْنِ: الدِّينِ وَالنَّسَبِ.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: هِيَ مُعْتَبِرَةٌ بِثَلَاثِ شَرَائِطَ: الدِّينِ، وَالنَّسَبِ، وَالْمَالِ، وَهِيَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أبي حنيفة.
وَقَالَ أبو يوسف: هِيَ مُعْتَبِرَةٌ بِأَرْبَعِ شَرَائِطَ: الدِّينِ، وَالنَّسَبِ، والمال، والمكسب.
الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: عَنْ أبي حنيفة.
وَنَحْنُ نَدُلُّ على كل شرط منها وَنُبَيِّنُ حُكْمَهُ.
الشَّرْطُ الْأَوَّلُ فِي الْكَفَاءَةِ وَهُوَ الدِّينُ
أَمَّا الشَّرْطُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ الدِّينُ فَإِنَّ اختلافهما فِي الْإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ كَانَ شَرْطًا مُعْتَبَرًا بِالْإِجْمَاعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لاَ يَسْتَوِي أصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الجَنَّةِ) {الحشر: ٢٠) . وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مَعَ مُشْرِكٍ ".
وإن كان اختلافهما في الصفات والفجور مع اتفاقهما في الإسلام فَعِنْدَ محمد بن الحسن أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ معتبر، وعند الجماعة عنه: أَنَّهُ شَرْطٌ مُعْتَبَرٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الزَّانِي لاَ