[(مسألة)]
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وإن كانوا مسبين عَلَيْهِمْ رِقٌّ أَوْ أُعْتِقُوا فَثَبَتَ عَلَيْهِمْ وَلَاءٌ لَمْ يُقْبَلْ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَى وِلَادَةٍ مَعْرُوفَةٍ قَبْلَ السَّبْيِ وَهَكَذَا أَهْلُ حِصْنٍ وَمَنْ يُحْمَلُ إِلَيْنَا مِنْهُمْ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي مَسْبِيٌّ مِنْ بِلَادِ الشِّرْكِ اسْتَرَقَّهُ مُسْلِمٌ وَأَعْتَقَهُ فَصَارَ لَهُ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ، ثُمَّ قَدِمَ مِنْ بِلَادِ الشِّرْكِ مَنِ ادَّعَى نَسَبَهُ، فَإِنِ اقْتَرَنَ بِدَعْوَاهُ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ تَشْهَدُ لَهُ بِمَا ادَّعَاهُ مِنَ النَّسَبِ عَلَى الْوَجْهِ الْجَائِزِ فِي الْإِسْلَامِ، حُكِمَ بِهَا وَثَبَتَ النَّسَبُ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ كَانَ مُدَّعِيهِ يَدَّعِي نَسَبًا، أَعْلَى كَالْأُبُوَّةِ، وَالْأُخُوَّةِ، أَوْ نَسَبًا أَسْفَلَ كَالْبُنُوَّةِ.
وَإِنْ عَدِمَ مُدَّعِيهِ الْبَيِّنَةَ لَمْ يَخْلُ حَالُ الْمُدَّعِي وَمَنْ عَلَيْهِ رِقٌّ، أَوْ وَلَاءٌ مِنْ أَرْبَعَةِ أحوال:
أحدها: مِنْ أَنْ يُصَدِّقَاهُ عَلَى النَّسَبِ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ بَيْنَهُمَا فِي الْأَعْلَى مِنَ الْأُبُوَّةِ، وَالْأَسْفَلِ مِنَ البنوة.
والحالة الثَّانِيَةُ: أَنْ يُنْكِرَاهُ، أَوْ يُكَذِّبَاهُ، فَلَا نَسَبَ وَلَيْسَ لَهُ إِحْلَافُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَمَّا الْعِتْقُ، فَلِأَنَّ إِقْرَارَهُ لَا يَنْفَذُ مَعَ إِنْكَارِ مُعْتِقِهِ، وأما معتقه فيلتزم الدعوى على غيره.
والحالة الثَّالِثَةُ: أَنْ يُنْكِرَهُ الْمُعْتِقُ، وَيُصَدِّقَهُ مُعْتِقُهُ. فَلَا نَسَبَ لَهُ، وَلَهُ إِحْلَافُ الْمُعْتِقِ بَعْدَ تَصْدِيقِ مُعْتِقِهِ، لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِالنَّسَبِ ثَبَتَ.
والحالة الرَّابِعَةُ: أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمُعْتِقُ، وَيُكَذِّبَهُ مُعَتِقُهُ. فَلَا يَخْلُو مُدَّعِي النَّسَبِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَدَّعِيَ نَسَبًا أَعْلَى، أَوْ نَسَبًا أَسْفَلَ. فَإِنِ ادَّعَى نَسَبًا أَعْلَى كَالْأُبُوَّةِ وَالْأُخُوَّةِ، لَمْ يثبت النسب بينهما مع التصديق، الأثر وتعليل:
أَمَّا الْأَثَرُ: فَأَثَرَانِ أَحَدُهُمَا مَا رَوَى الشَّعْبِيُّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ إِلَى شُرَيْحٍ أَنْ لَا تُوَرِّثَ حَمِيلًا إِلَّا بِبَيِّنَةٍ.
وَالثَّانِي: مَا رَوَاهُ حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَمَعَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَاسْتَشَارَهُمْ فِي مِيرَاثِ الْحَمِيلِ، فَأجْمَعُوا أَنْ لَا يُوَرَّثَ حَمِيلٌ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ.
فَصَارَ هَذَا الْأَثَرُ الثَّانِي إِجْمَاعًا.
وَأَمَّا التَّعْلِيلُ: فَلِأَنَّ مُعْتِقَهُ لَمَّا اسْتَحَقَّ بِوَلَائِهِ عَلَيْهِ أَنْ يَرِثَهُ، وَكَانَ لُحُوقُ النَّسَبِ يَدْفَعُهُ عَنِ الْمِيرَاثِ، لِتَقْدِيمِ الْمِيرَاثِ بِالنَّسَبِ على الميراث بالولاء، لم يَكُنْ لَهُمَا إِبْطَالُ حَقٍّ بِصِفَةٍ مِنْ مِيرَاثِ الْمَيِّتِينَ بِإِقْرَارٍ مَظْنُونٍ مُحْتَمَلٍ.