للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ رَبِيعَةُ وَمَالِكٌ: لَهُمَا أَنْ يُفْطِرَا وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِمَا اسْتِدْلَالًا بِأَنَّهُمَا أَفْطَرَا لِأَجْلِ أَنْفُسِهِمَا بِعُذْرٍ فَوَجَبَ أَنْ لَا تَلْزَمَهُمَا الْفِدْيَةُ كَالْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ قَالُوا: وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ عَلَى الْبَدَنِ، فَوَجَبَ أَنْ تَنْقَلِبَ إِلَى الْمَالِ أَصْلُهُ الصَّلَاةُ قَالُوا وَلِأَنَّ الْعَجْزَ عَنِ الصَّوْمِ يُوجِبُ سُقُوطَ الْكَفَّارَةِ كَالْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ إِذَا مَاتَا قَبْلَ إِمْكَانِ الصَّوْمِ، وَالدَّلَالَةُ عَلَى وُجُوبِ الْفِدْيَةِ قَوْله تَعَالَى: {وَعَلى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامٌ مَسَاكِينَ) {البقرة: ١٨٤) وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ فِيهِمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ قَدْ خَيَّرَ النَّاسَ فِي بَدْءِ الْإِسْلَامِ بَيْنَ أَنْ يَصُومُوا، وَبَيْنَ أَنْ يُفْطِرُوا، ثُمَّ يَفْتَدُوا ثُمَّ حَتَّمَ اللَّهُ الصِّيَامَ عَلَى مَنْ أَطَاقَهُ، بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (البقرة: ١٨٥) وَبَقِيَ مَنْ لَمْ يُطِقْ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ فِي جَوَازِ الْفِطْرِ وَوُجُوبِ الْفِدْيَةِ، وَقَدْ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ وَعَلَى الَّذِينَ يطيقونه يَعْنِي يُكَلَّفُونَهُ، فَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى صِيَامِهِ وَقِرَاءَةُ الصَّحَابِيِّ تَجْرِي مَجْرَى خَبَرِ الْوَاحِدِ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يَقُولُ ذَلِكَ إِلَّا سَمَاعًا، وَتَوْقِيفًا، وَإِنَّمَا عَدَلَ الشَّافِعِيُّ عَنِ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الْقِرَاءَةِ، لِأَنَّهَا تَشُذُّ عَنِ الْجَمَاعَةِ، وَتُخَالِفُ رَسْمَ الْمُصْحَفِ وَيَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عنهم، أنهم قالوا: الهم عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ إِذَا أَفْطَرَ، وَلَيْسَ لَهُمْ فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ وَلِأَنَّهُ صَوْمٌ وَاجِبٌ فَجَازَ أَنْ يَسْقُطَ إِلَى بَدَلٍ، وَهُوَ الطَّعَامُ أَصْلُهُ الصَّوْمُ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ يَدْخُلُ فِي جُبْرَانِهَا الْمَالُ فَجَازَ أَنْ يَقُومَ فِيهِ غَيْرُ عَمَلِهِ مَقَامَ عَمَلِهِ أَصْلُهُ الْحَجُّ، فَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ فَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ عُذْرٌ أَوْجَبَ الْقَضَاءَ فَأَسْقَطَ الْكَفَّارَةَ، وَهَذَا عُذْرٌ أَسْقَطَ الْقَضَاءَ فَلِذَلِكَ أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ.

وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الصَّلَاةِ فَبَاطِلٌ بِالصَّوْمِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعَجْزَ عَنِ الصَّوْمِ يُوجِبُ سُقُوطَ الْكَفَّارَةِ كَالْمَرِيضِ، إِذَا مَاتَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَى الصِّيَامِ قُلْنَا: الْمَعْنَى فِيهِمَا سَوَاءٌ وَذَاكَ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمَرِيضِ الْقَضَاءُ، فَإِذَا مَاتَ قَبْلَ الْإِمْكَانِ سَقَطَ عَنْهُ، فَهُمَا مِنْ مَعْنَى الْعَجْزِ سواء والواجب على الشيخ الهرم الفدية فإذا مات قبل الإمكان سقطت عنه فهما في معنى العجز سواء وَإِنَّمَا اخْتَلَفَا فِيمَا لَزِمَهُمَا قَبْلَ الْعَجْزِ فَأَمَّا الْمُزَنِيُّ فَإِنَّهُ أَحَالَ قِرَاءَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمَنَعَ أن يكون لها وجه تَعَقَّبَهَا مِنْ قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأنْ تَصُومُواْ خَيْرٌ لَكُمْ) {البقرة: ١٨٤) وَالْعَاجِزُ عَنِ الصَّوْمِ يُؤْمَرُ بِتَرْكِهِ لَا بِفِعْلِهِ قُلْنَا: هَذَا عَائِدٌ إِلَى الْمُطِيقِ فَلَمْ يمتنع ما قاله ابن عباس.

[مسألة:]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَا أَكْرَهُ فِي الصَّوْمِ السِّوَاكَ بِالْعُودِ الرَّطْبِ وَغَيْرِهِ وَأَكْرَهُهُ بِالْعَشِيِّ لِمَا أُحِبُّ مِنْ خُلُوفِ فَمِ الصَّائِمِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ.

يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ أَنْ يَسْتَاكَ عَشِيًّا مِنْ زَوَالِ الشَّمْسِ إِلَى غُرُوبِهَا، وَلَمْ يُحَدِّدْهُ الشَّافِعِيُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>