للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مسألة:]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوِ اشْتَرَاهَا قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا عَلَى أَنْ يجدها أخذ بجدها فإن بدا صلاحها فسخ البيع لأنه لا يجوز أن تقطع فيمنع الزكاة ولا يجبر رب النخل على تركها وقد اشترط قطعها ولو رضيا الترك فالزكاة على المشتري ولو رضي البائع الترك وأبى المشتري ففيها قولان. أحدهما: أن يجبر على الترك والثاني أن يفسخ لأنهما اشترطا القطع ثم بطل بوجوب الزكاة (قال المزني) فأشبه هذين القولين بقوله أن يفسخ البيع قياساً على فسخ المسألة قبلها.

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا بَيْعُ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا مُفْرَدَةً فَلَا يَجُوزُ إِلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ، وَلَوْ بَاعَهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ صَحَّ الْبَيْعُ، وَوَجَبَ عَلَى الْمُشْتَرِي قَطْعُهَا، فَإِنْ تَمَادَى الْمُشْتَرِي فِي قطعها ودافع بها حَتَّى بَدَا صَلَاحُهَا، فَقَدْ وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ ثم للبايع، والمشتري أربعة أحوال:

أحدها: أن يجيب البايع إِلَى تَرْكِ الثَّمَرَةِ عَلَى نَخْلِهِ إِلَى حِينِ صِرَامِهَا، وَرَضِيَ الْمُشْتَرِي بِأَدَاءِ زَكَاتِهَا فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ لَا يُفْسَخُ، وَيَتْرُكُ الثَّمَرَةَ عَلَى النَّخْلِ إِلَى وقت الصرام، ولا تُقْطَعُ وَتُؤْخَذُ الزَّكَاةُ مِنَ الْمُشْتَرِي عِنْدَ جَفَافِ الثمرة، وجدادها.

والحالة الثانية: أن يمتنع البايع مِنْ تَرْكِ الثَّمَرَةِ عَلَى نَخْلِهِ، وَيَأْبَى الْمُشْتَرِي مِنْ دَفْعِ الزَّكَاةِ مِنْ ثَمَرَتِهِ فَالْوَاجِبُ أَنْ يفسخ البايع، لأن في إجبار البايع عَلَى تَرْكِ الثَّمَرَةِ إِضْرَارًا بِهِ وَفِي إِجْبَارِ المشتري على قطعها إضرار بِالْمَسَاكِينِ، فَكَانَتِ الضَّرُورَةُ دَاعِيَةً إِلَى فَسْخِ الْبَيْعِ، فَإِذَا فُسِخَ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمُشْتَرِي الزَّكَاةُ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ دَخَلَ فِي ابْتِيَاعِهَا عَلَى أَنْ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ.

وَالثَّانِي أَنَّ فَسْخَ البيع غير منسوب إليه، فأما البايع فَفِي إِيجَابِ زَكَاتِهَا عَلَيْهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ لِأَنَّ بُدُوَّ صَلَاحِهَا كَانَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ.

وَالثَّانِي: وَهُوَ الصَّحِيحُ هَاهُنَا أَنَّ زَكَاتَهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ، لِأَنَّ امْتِنَاعَهُ مِنَ التَّرْكِ سَبَبٌ لِفَسْخِ الْبَيْعِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا، لِإِسْقَاطِ الزَّكَاةِ.

وَالْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَرْضَى الْمُشْتَرِي بِدَفْعِ زَكَاتِهَا وَيَمْتَنِعَ الْبَائِعُ مِنْ تَرْكِهَا، فَيُفْسَخُ الْبَيْعُ أَيْضًا وَتَرُدُّ الثَّمَرَةُ عَلَى الْبَائِعِ، وتؤخذ منه الزكاة وجهاً واحداً، لأن رضى الْمُشْتَرِي بِالتَّرْكِ يُوجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فَكَانَ امْتِنَاعُ البايع مِنْ ذَلِكَ يَقْتَضِي، أَنْ يَنْتَقِلَ إِلَيْهِ وُجُوبُ الزكاة، لأن لا تَسْقُطَ بَعْدَ وُجُوبِهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>