(بَابُ وَضْعِ الْحَجَرِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ وَضْعُهُ وحفر البئر وميل الحائط)
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ وَضَعَ حَجَرًا فِي أَرْضٍ لَا يَمْلِكُهَا وَآخَرُ حَدِيدَةً فَتَعَقَّلَ رَجُلٌ بِالْحَجَرِ فَوَقَعَ عَلَى الْحَدِيدَةِ فَمَاتَ فَعَلَى وَاضِعِ الْحَجَرِ لِأَنَّهُ كَالدَّافِعِ لَهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَأَصْلُ هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْقَتْلَ إِنْ حَدَثَ عَنْ سَبَبٍ مَحْظُورٍ كَانَ مَضْمُونًا، وَإِنْ حَدَثَ عَنْ سَبَبٍ مُبَاحٍ كَانَ هَدَرًا فَإِذَا وَضَعَ رَجُلٌ حَجَرًا فِي أَرْضٍ لَا يَمْلِكُهَا إِمَّا فِي طَرِيقٍ سَابِلٍ أَوْ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَوَضْعُهُ مَحْظُورٌ، فَإِنْ عَثَرَ بِهِ إِنْسَانٌ فَمَاتَ كَانَ وَاضِعُ الْحَجَرِ ضَامِنًا لِدِيَتِهِ لِحَظْرِ السَّبَبِ الْمُؤَدِّي إِلَى قَتْلِهِ، وَالْقَتْلُ يُضْمَنُ بِالسَّبَبِ كَمَا يُضْمَنُ بِالْمُبَاشِرَةِ، وَلَوْ دَفَعَهُ رَجُلٌ عَلَى هَذَا الْحَجَرِ فَمَاتَ كَانَتْ دِيَتُهُ عَلَى الدَّافِعِ لَهُ لَا عَلَى وَاضِعِ الْحَجَرِ، لِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ أَقْوَى مِنَ السَّبَبِ، فَإِذَا اجْتَمَعَا غَلَبَ حُكْمُ الْمُبَاشَرَةِ عَلَى السَّبَبِ، وَلَوْ كَانَ صَاحِبُ الْحَجَرِ وَضَعَهُ فِي مِلْكِهِ أَوْ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ فَعَثَرَ بِهِ إِنْسَانٌ فَمَاتَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَدِيَةُ الْعَاثِرِ هَدَرٌ، سَوَاءٌ كَانَ بَصِيرًا أَوْ ضَرِيرًا، دَخَلَ بِإِذْنٍ أَوْ غَيْرِ إِذْنٍ، لِإِبَاحَةِ السَّبَبِ الْمُؤَدِّي إِلَى قَتْلِهِ.
فَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةُ فَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ: فِي رَجُلٍ وَضَعَ حَجَرًا فِي أَرْضٍ لَا يَمْلِكُهَا، وَوَضَعَ آخَرُ حَدِيدَةً بِقُرْبِهِ فِي الْأَرْضِ الَّتِي لَا يَمْلِكُهَا، فَعَثَرَ رَجُلٌ بِالْحَجَرِ فَوَقَعَ عَلَى الْحَدِيدَةِ فَمَاتَ فَضَمَانُ دِيَتِهِ عَلَى وَاضِعِ الْحَجَرِ دُونَ وَاضِعِ الْحَدِيدَةِ، لِأَنَّ وُقُوعَهُ عَلَى الْحَدِيدَةِ بِعَثْرَةِ الْحَجَرِ فَصَارَ وَاضِعُهُ كَالدَّافِعِ لَهُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ ضَامِنًا لِدِيَتِهِ كَمَا لَوْ دَفَعَهُ عَلَيْهَا.
وَقَالَ أَبُو الْفَيَّاضِ مِنْ أَصْحَابِنَا الْبَصْرِيِّينَ: إِنْ كَانَتِ الْحَدِيدَةُ سِكِّينًا قَاطِعَةً فَالضَّمَانُ عَلَى وَاضِعِهَا دُونَ وَاضِعِ الْحَجَرِ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ قَاطِعَةٍ فَالضَّمَانُ عَلَى وَاضِعِ الْحَجَرِ، لِأَنَّ السِّكِّينَ الْقَاطِعَةَ مُوجِيَةٌ وَالْحَجَرَ غَيْرُ مُوجٍ.
وَهَكَذَا قَالَ فِي رَجُلٍ دَفَعَ رَجُلًا عَلَى سِكِّينٍ فِي يَدِ قَصَّابٍ فَانْذَبَحَ بِهَا أَنَّ دِيَتَهُ عَلَى الْقَصَّابِ دُونَ الدَّافِعِ، وَهَذَا الْقَوْلُ مَعْلُولٌ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ مُبَاشَرَةٌ يَضْمَنُ بِهَا الْمَدْفُوعَ، سَوَاءٌ أَلْقَاهُ عَلَى مُوجٍ أَوْ غَيْرِ مُوجٍ، وَلَوْ عَثَرَ بِالْحَدِيدَةِ فَوَقَعَ عَلَى الْحَجَرِ فَمَاتَ كَانَ ضَمَانُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute