فَصْلٌ: وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ فِي الذِّمَّةِ فَعَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ أَيْضًا:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَعْقِدَاهُ مُعَجَّلًا.
وَالثَّانِي: أَنْ يَعْقِدَاهُ مُؤَجَّلًا.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَعْقِدَاهُ مُطْلَقًا فَإِنْ عَقَدَاهُ مُعَجَّلًا وَهُوَ أَنْ يَقُولَ قَدِ اسْتَأْجَرْتُ مِنْكَ تَحْصِيلَ حَجَّةٍ لِي فِي هَذَا الْعَامِ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ اعْتَبَرْتَ الْوَقْتَ فَإِنْ كَانَ الْمَسِيرُ فِيهِ مُمْكِنًا أَوْ كَانَ قَبْلَ وَقْتِ الْمَسِيرِ فَالْعَقْدُ فِيهِ جَائِزٌ وَإِنَّمَا جَازَ الْعَقْدُ فِي الذِّمَّةِ قَبْلَ وَقْتِ الْمَسِيرِ وَلَمْ يَجُزِ الْعَقْدُ الْمُعَيَّنُ قَبْلَ وَقْتِ الْمَسِيرِ، لِأَنَّ تَأْخِيرَ مَا فِي الذِّمَّةِ جَائِزٌ وَتَأْخِيرَ الْمُعَيَّنِ غَيْرُ جَائِزٍ وَإِنْ كَانَ الْمَسِيرُ غَيْرَ مُمْكِنٍ لِضِيقِ الْوَقْتِ مِنَ الْحَجِّ فَالْإِجَارَةُ فِيهِ بَاطِلَةٌ، لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى عَمَلٍ غَيْرِ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ عِنْدَ مَحِلِّهِ وَإِنْ عَقَدَاهُ مُؤَجَّلًا وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: قَدِ اسْتَأْجَرْتُ مِنْكَ تَحْصِيلَ حَجَّةٍ لِي فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَالْإِجَارَةُ جَائِزَةٌ، لِأَنَّ مَا في الذمة يصح تأجيله كالمسلم وَإِنْ عَقَدَاهُ مُطْلَقًا وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: قَدِ اسْتَأْجَرْتُ مِنْكَ تَحْصِيلَ حَجَّةٍ لِي وَلَا يُقَيِّدُ ذَلِكَ بِزَمَانٍ فَإِطْلَاقُهُ يَقْتَضِي تَعْجِيلَهُ فَيَكُونُ كَمَا لَوْ عَقَدَاهُ مُعَجَّلًا عَلَى مَا مَضَى.
فَصْلٌ
: فَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْحَجِّ مُعَيَّنًا وَفِي الذِّمَّةِ فَعَقْدُ الْإِجَارَةِ فِيهِ يَحْتَاجُ إِلَى تَعْيِينِ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ.
أَحَدُهَا: تَعْيِينُ النُّسُكِ.
وَالثَّانِي: تَعْيِينُ وَقْتِ النُّسُكِ.
وَالثَّالِثُ: تَعْيِينُ مِيقَاتِ النُّسُكِ.
وَالرَّابِعُ: تَعْيِينُ مَنْ يُؤَدَّى عَنْهُ النُّسُكُ.
فَأَمَّا تعيين النسك فهو شرط صِحَّةِ الْعَقْدِ، لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِالْعَقْدِ فَافْتُقِرَ إِلَى ذِكْرِهِ لِيُكُونَ الْعَمَلُ مَعْلُومًا فِي الْعَقْدِ أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ لِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ قِرَانٍ أَوْ تَمَتُّعٍ فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ بَطَلَ الْعَقْدُ لِلْجَهَالَةِ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا تَعْيِينُ وَقْتِ النُّسُكِ فَهُوَ الْأَجَلُ فَإِنْ ذَكَرَهُ انْصَرَفَ الْعَقْدُ عَنِ الْحُلُولِ إِلَى التَّأْجِيلِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ عَلَى مَا مَضَى.
وَأَمَّا تَعْيِينُ مِيقَاتِ النُّسُكِ فَلِتَنْتَفِيَ عَنِ الْعَقْدِ الْجَهَالَةُ وَيَصِيرَ الْعَمَلُ مَعْلُومًا فَإِنْ ذَكَرَ مَوْضِعَ الْإِحْرَامِ وَعَيَّنَهُ صَحَّ الْعَقْدُ وَإِنْ أَغْفَلَهُ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ هَاهُنَا وَفِي " الْأُمِّ " الْإِجَارَةُ بَاطِلَةٌ، وَقَالَ فِي " الْإِمْلَاءِ " الْإِجَارَةُ جَائِزَةٌ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا عَلَى مَذْهَبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قول أبي إسحاق المرزوي وَأَكْثَرِ الْبَصْرِيِّينَ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّ الْإِجَارَةَ بَاطِلَةٌ، لِأَنَّ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ قَدْ يَجُوزُ مِنَ الْمِيقَاتِ وَقَبْلَ الْمِيقَاتِ وَأَغْرَاضُ النَّاسِ فِيهِ مُخْتَلِفَةٌ وَالْعَمَلُ فِيهِ مُخْتَلِفٌ وَإِذَا اخْتَلَفَ الْعَمَلُ وَلَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا كَانَتِ الْإِجَارَةُ عَلَيْهِ باطلة.