الْحَجِّ لَا يَنْصَرِفُ إِلَى الْحَجِّ وَإِنَّمَا يَنْصَرِفُ إِلَى عُمْرَةٍ وَلَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ لَمْ يَكُنْ حَجًّا وَكَانَ عُمْرَةً فَكَذَا إِذَا أَحْرَمَ مَوْقُوفًا لَمْ يَكُنْ مَوْقُوفًا وَكَانَ عُمْرَةً.
فَصْلٌ
: فَإِنْ دَخَلَ مَكَّةَ غَيْرَ مُحْرِمٍ بِنُسُكٍ فَقَدْ أَسَاءَ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَعَصَى عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَعًا.
وَقَالَ أبو حنيفة: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَكِّيًّا فَلَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْإِحْرَامُ بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ وَاجِبًا صَارَ أَحَدُ النُّسُكَيْنِ بِدُخُولِ مَكَّةَ وَاجِبًا وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ نُسُكٌ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَلَمْ يَأْتِ بِهِ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ كَحَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَالنَّذْرِ.
وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ أَنَّهُ دَخَلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ نُسُكٍ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ قَضَاءُ نُسُكٍ كَالْمَكِّيِّ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَكِّيًّا لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ فَوَجَبَ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَكِّيٍّ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ الْقَضَاءُ كالحطابين والسقايين وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِأَنَّهُ إِذَا أَرَادَ الدُّخُولَ ثَانِيَةً لِلْقَضَاءِ تَعَلَّقَ الْإِحْرَامُ بِالدُّخُولِ الثَّانِي كَتَعَلُّقِهِ بِالدُّخُولِ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَخْلُصْ لَهُ حَالَةٌ يَصِحُّ فِيهَا الْقَضَاءُ إِلَّا وَمُتَعَلِّقٌ بِهَا فِعْلُ الْإِحْرَامِ فَامْتَنَعَ الْقَضَاءُ فَأَمَّا اعْتِبَارُهُمْ ذَلِكَ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ لَا تُقْضَى لِأَنَّهُ فِي أَيِّ الزَّمَانِ فَعَلَهَا كَانَ مُؤَدِّيًا وَلَمْ يَكُنْ قَاضِيًا.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ وَإِنْ وَجَبَ الْقَضَاءُ بِالْفَسَادِ وَالْفَوَاتِ فلأن قَضَاؤُهُ مُمْكِنٌ؛ لِأَنَّ زَمَانَ الْقَضَاءِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَا يُوجِبُ الْقَضَاءَ وَقَضَاءُ الدُّخُولِ يَتَعَلَّقُ به ما يتعلق بِابْتِدَاءِ الدُّخُولِ فَلَمْ يَصِحَّ الْقَضَاءُ فَإِذَا ثَبَتَ أَنْ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إِنَّمَا تَجِبُ جُبْرَانًا لِنَقْصٍ دَخَلَ عَلَى نُسُكٍ فَإِذَا لَمْ يَأْتِ بِالنُّسُكِ لَمْ يَلْزَمْهُ جُبْرَانُ مَا عُدِمَ أَصْلُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بالصواب.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute