للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ: لَيْسَ الذَّنُوبُ حَدًّا، وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ بِالْمُكَاثَرَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَمَنُصُوصِهِ أَلَا تَرَاهُ قَالَ: " وَيُشْبِهُ الْمَاءُ أَنْ يَكُونَ سَبْعَةَ أَمْثَالِ النَّجَاسَةِ "، وَلَيْسَ سَبْعَةُ أَمْثَالِهَا حَدًّا فِي طَهَارَتِهِ أَيْضًا، وَإِنَّمَا هُوَ تَمْثِيلٌ عَلَى طَرِيقِ التَّقْرِيبِ.

وَالدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ الذَّنُوبَ لَيْسَ بِحَدٍّ فِي طَهَارَتِهِ هُوَ أَنَّ اعْتِبَارَ طَهَارَةِ الْبَوْلَةِ بِالذَّنُوبِ تُؤَدِّي إِلَى تَطْهِيرِ كَثِيرِ النَّجَاسَةِ بِقَلِيلِ الْمَاءِ وَقَلِيلِ النَّجَاسَةِ بِكَثِيرِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ بَوْلُ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ مُمَاثِلًا لِبَوْلِ ثَلَاثَةِ رِجَالٍ فَمُتَّفَقٌ عَلَى قَدْرِ نَجَاسَتِهَا، وَيَخْتَلِفُ قَدْرُ الْمَاءِ فِي طَهَارَتِهَا، وَهَذَا يُخَالِفُ مَا تَقَرَّرَ مِنَ الْحُكْمِ فِي إِزَالَةِ الْأَنْجَاسِ

(فَصْلٌ)

: فَأَمَّا إِذَا لَمْ يُغْسَلِ الْبَوْلُ عَنِ الْأَرْضِ حَتَّى تَقَادَمَ عَهْدُهُ، وَزَالَتْ رَائِحَتُهُ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ وَهُبُوبِ الرِّيَاحِ فَنَجَاسَةُ الْأَرْضِ بَاقِيَةٌ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهَا غَيْرُ جَائِزَةٍ

وَقَالَ أبو حنيفة: قَدْ طَهُرَتِ الْأَرْضُ وَجَازَتِ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا، وَلَمْ يَجُزِ التَّيَمُّمُ بِتُرَابِهَا وَقَدْ حَكَى ابْنُ جَرِيرٍ هَذَا الْقَوْلَ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ، وَلَيْسَ يُعْرَفُ لَهُ

وَالدَّلَالَةُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ نَجَاسَةِ الْأَرْضِ هُوَ أَنَّهُ مَحَلٌّ نَجِسٌ فَوَجَبَ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ، وَطُولِ الْمُكْثِ قِيَاسًا عَلَى الثَّوْبِ وَالْبِسَاطِ

فَإِنْ قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَرْضِ، وَالْبِسَاطِ أَنَّ الْأَرْضَ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ عَلَيْهَا تَجْذِبُ النَّجَاسَةَ الرَّطْبَةَ إِلَى قَرَارِهَا فَيُطَهَّرُ ظَاهِرُهَا، وَلَيْسَ لِلثَّوْبِ قَرَارٌ تَنْزِلُ إِلَيْهِ نَدَاوَةُ النَّجَاسَةِ

قِيلَ: هَذَا يَفْسُدُ بِالْبِسَاطِ النَّجِسِ إِذَا جَفَّ وَجْهُهُ وَنَزَلَتِ النَّجَاسَةُ إِلَى أَسْفَلِهِ هُوَ نَجِسٌ وَإِنْ كَانَ مَعْنَى الْأَرْضِ فِيهِ مَوْجُودًا، وَلِأَنَّهُ تُرَابٌ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ لِأَجْلِ النَّجَاسَةِ فَوَجَبَ أَنْ لَا تَجُوزَ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ قِيَاسًا عَلَى مَا قَرُبَ عَهْدُ نَجَاسَتِهِ، فَإِنْ قِيلَ إِنَّمَا لَمْ يَجُزِ التَّيَمُّمُ، لِأَنَّ الطَّبَقَةَ الثَّانِيَةَ نَجِسَةٌ لِنُزُولِ النَّجَاسَةِ إِلَيْهَا وَبِإِثَارَةِ التُّرَابِ فِي التَّيَمُّمِ تَصِلُ إِلَيْهَا

قُلْنَا: فَيَجِبُ عَلَى هَذَا إِذَا كَشَطَ وَجْهَ الْأَرْضِ وَأَخَذَ أَعْلَى التُّرَابِ أَنْ يَجُوزَ التَّيَمُّمُ بِهِ، وَفِي إِجْمَاعِنَا عَلَى الْمَنْعِ مِنْهُ دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِ هَذَا التَّعْلِيلِ وَتَسْوِيَةِ الْحَالِ فِي الْمَنْعِ مِنَ التَّيَمُّمِ بِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ

(مَسْأَلَةٌ)

: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَالْخَمْرُ فِي الْأَرْضِ كَالْبَوْلِ وَإِنْ لَمْ يَذْهَبْ رِيحُهُ "

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فَأَمَّا الْخَمْرُ فَنَجِسٌ بِالِاسْتِحَالَةِ وَهُوَ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ

وَقَالَ الْحَسَنُ لَيْسَ بِنَجِسٍ، لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَعَدَّهُ فِي الْجَنَّةِ لِخَلْقِهِ فَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ} [محمد: ١٥] وَاللَّهُ تَعَالَى لَا يَعُدُّ لِخَلْقِهِ نَجِسًا

<<  <  ج: ص:  >  >>