للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " فَإِنْ أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ لَمْ يَسْمَعِ الْوَلِيُّ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ إِقْرَارٍ أَنَّهُ كَانَ فِيهِمْ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ إِذَا وُجِدَ لَوْثُ الْقَتِيلِ فِي جَمَاعَةٍ فَادَّعَى أَوْلِيَاؤُهُ الْقَتْلَ عَلَى رَجُلٍ وَذَكَرُوا أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْجَمَاعَةِ وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ فِي الْجَمَاعَةِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ وَلَا قَسَامَةَ لِلْأَوْلِيَاءِ إِذَا حَلَفَ إِلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ تَشْهَدُ بِأَنَّهُ كَانَ فِيهِمْ أَوْ يُشْهَدَ عَلَى إِقْرَارِهِ أَنَّهُ كَانَ فِيهِمْ فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ لِلْأَوْلِيَاءِ أَنْ يُقْسِمُوا، لِأَنَّ ظُهُورَ اللَّوْثِ فِيهِمْ لَا يَدُلُّ على أنه كان فيهم.

[(مسألة)]

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " وَلَا أَنْظُرُ إِلَى دَعْوَى الْمَيِّتِ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وهذا قاله على ردا مَالِكٍ حَيْثُ جَعَلَ قَوْلَ الْقَتِيلِ دِيَةً عِنْدَ فُلَانٍ لَوْثًا وَلَيْسَ بِلَوْثٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الدَّلِيلِ. فَأَثْبَتَ مَالِكٌ اللَّوْثَ فِيمَا نَفَيْنَاهُ وَنَفَى اللَّوْثَ عَمَّا أَثْبَتْنَاهُ، وَحَكَمَ بِالْقَسَامَةِ وَلَمْ يَحْكُمْ بِاللَّوْثِ الَذِي قَضَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالْقَسَامَةِ فَلَمْ يَنْفُذْ مِنْ مُخَالَفَةِ قَضَائِهِ مَعَ اعْتِرَافِهِ بِصِحَّةِ نَقْلِهِ، وَهَذَا وَهْمٌ لَا يَجُوزُ.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلِوَرَثَةِ الْقَتِيلِ أَنْ يُقْسِمُوا وَإِنْ كَانُوا غُيَّبًا عَنْ مَوْضِعِ الْقَتِيلِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَعْلَمُوا ذَلِكَ بِاعْتِرَافِ الْقَاتِلِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ لَا يَعْلَمُهُمُ الْحَاكِمُ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ عِنْدَهُمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ مَا يَعْلَمُ بِهِ الْغَائِبُ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: يَجُوزُ لِأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ أَنْ يُقْسِمُوا وَإِنْ لَمْ يَشْهَدُوا الْقَتْلَ إِذَا عَلِمُوهُ مِنْ جِهَةٍ عَرَفُوهَا بِالصِّدْقِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُقْسِمُوا إِذَا غَابُوا عَنْهُ لِأَنَّهُمْ عَلَى غَيْرِ يَقِينٍ مِنْهُ.

وَدَلِيلُنَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَرَضَ الْأَيْمَانَ فِي قِصَّةِ الْأَنْصَارِيِّ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ وَقُتِلَ أَخُوهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ بِخَيْبَرَ، وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يُقْسِمُ فِي الْأَمْوَالِ عَلَى مَا عَلِمَهُ يَقِينًا وَعَلَى مَا عَرَفَهُ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ أَنْ يَجِدَ فِي حِسَابِ نَفْسِهِ بِخَطِّهِ أَوْ فِي حِسَابِ أَبِيهِ بِخَطِّ أَبِيهِ أَنَّ عَلَى فُلَانٍ كَذَا فَيَجُوزُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ، وَإِنْ كَانَ بِغَلَبَةِ ظَنٍّ لَا بِيَقِينٍ وَكَذَلِكَ فِي الدِّمَاءِ وَلِأَنَّ حُكْمَ الشَّهَادَةِ أَغْلَظُ، ثُمَّ كَانَ لِلشُّهُودِ أَنْ يَشْهَدُوا تَارَةً بِمَا عَلِمُوا قَطْعًا مِمَّا شَهِدُوهُ مِنَ الْعُقُودِ وَسَمِعُوهُ مِنَ الْإِقْرَارِ. وَكَانَ لَهُمْ تَارَةً أَنْ يَشْهَدُوا بِغَلَبَةِ الظَّنِّ فِي الْأَنْسَابِ وَالْمَوْتِ وَالْأَمْلَاكِ الْمُطْلَقَةِ بِخَبَرِ الِاسْتِفَاضَةِ فَلَمَّا كَانَتِ الشَّهَادَةُ تَنْقَسِمُ إِلَى يَقِينٍ وَغَالِبِ ظَنٍّ كَذَلِكَ الْأَيْمَانُ تَنْقَسِمُ إِلَى يَقِينٍ وَغَالِبِ ظن والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>