وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَشْرَبَ الدَّوَاءَ الْمُسْكِرَ قَصْدَ السُّكْرِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ دَاعِيَةٍ إِلَى شُرْبِهِ ففي سكره فيه وجهان:
أحدهما: [أنه] كَسُكْرِهِ مِنَ الشَّرَابِ يَقَعُ طَلَاقُهُ فِيهِ وَظِهَارُهُ فَعَلَى هَذَا قَدِ اسْتَوَيَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ بِخِلَافِ سُكْرِ الشَّرَابِ وَإِنِ اشْتَرَكَ فِي الْمَعْصِيَةِ لِلْفَرْقَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّ فِي سُكْرِ الشَّرَابِ لَذَّةً مُطْرِبَةً تَدْعُو إِلَى ارْتِكَابِ الْمَحْظُورَاتِ وَإِثَارَةِ الْعَدَاوَاتِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَعْدُومٌ فِي سُكْرِ الدَّوَاءِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ لِلنَّفْسِ مَيْلًا يَدْعُو إِلَى سُكْرِ الشَّرَابِ فَيَبْعَثُ قَلِيلُهُ عَلَى كَثِيرِهِ وَفِي النَّفْسِ نُفُورٌ مِنْ سُكْرِ الدَّوَاءِ يَبْعَثُ عَلَى مُجَانَبَتِهِ وَلِهَذَيْنِ الْفَرْقَيْنِ أَوْجَبْنَا الْحَدَّ فِي سُكْرِ الشَّرَابِ وَلَمْ نُوجِبْهُ فِي سُكْرِ الدَّوَاءِ فَلِذَلِكَ أَوْقَعْنَا الطَّلَاقَ فِي سُكْرِ الشَّرَابِ، وَلَمْ نُوقِعْهُ فِي سُكْرِ الدَّوَاءِ وَجَعَلْنَا سُكْرَ الدَّوَاءِ كَالْجُنُونِ وَلَمْ نَجْعَلْ سُكْرَ الشَّرَابِ كَالْجُنُونِ، وَهَكَذَا الْجُنُونُ إِنْ أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَهُوَ كَالدَّاخِلِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ فِعْلِهِ وَإِنْ أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِقَصْدِهِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَكُونُ مُؤَاخَذًا بِأَحْكَامِهِ وَبِطَلَاقِهِ وَبِظِهَارِهِ لِمَعْصِيَتِهِ كَالسَّكْرَانِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُؤَاخَذًا بِالْأَحْكَامِ وَلَا يَقَعُ طَلَاقُهُ وَظِهَارُهُ بِخِلَافِ السَّكْرَانِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَقَدْ ذَكَرَ الْمُزَنِيُّ فِي مَسَائِلِهِ الْمَنْثُورَةِ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ رَجُلًا لَوْ نَطَحَ رَجُلًا فَانْقَلَبَ دِمَاغُ النَّاطِحِ وَالْمَنْطُوحِ ثُمَّ طَلَّقَا امْرَأَتَيْهِمَا أَنَّ طَلَاقَهُمَا لَا يَقَعُ يُسَوِّي بَيْنَ النَّاطِحِ وَالْمَنْطُوحِ فِي إِبْطَالِ طَلَاقِهِمَا وَإِنْ كَانَ النَّاطِحُ عَاصِيًا وَالْمَنْطُوحُ غَيْرَ عَاصٍ.
(فَصْلٌ:)
وَالسُّؤَالُ الثَّالِثُ: قَالَ الْمُزَنِيُّ فَإِنْ قِيلَ: فَفَرْضُ الصَّلَاةِ يَلْزَمُ السَّكْرَانَ وَلَا يَلْزَمُ الْمَجْنُونَ فَلِذَلِكَ فَرْضُ الصَّلَاةِ يَلْزَمُ النَّائِمَ وَلَا يَلْزَمُ الْمَجْنُونَ فَهَلْ يُجِيزُ طَلَاقَ السَّكْرَانِ لِأَنَّهُ لَا يَعْقِلُ مَا يَقُولُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: ٤٣] فَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَلَاةٌ حَتَّى يَعْلَمَهَا وَيُرِيدَهَا كَذَلِكَ لَا طَلَاقَ لَهُ وَلَا ظِهَارَ حَتَّى يَعْلَمَهُ وَيُرِيدَهُ. وَذَكَرَ الْمُزَنِيُّ فِي هَذَا السُّؤَالِ ثَلَاثَةَ فُصُولٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ قَالَ لَوْ لَزِمَ طَلَاقُ السَّكْرَانِ لِأَنَّ فَرْضَ الصَّلَاةِ يَلْزَمُهُ وَلَا يَلْزَمُ الْمَجْنُونَ لَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَ طَلَاقُ النَّائِمِ وَطَلَاقُهُ لَا يَلْزَمُ وَإِنْ لَزِمَهُ الْفَرْضُ كَذَلِكَ السَّكْرَانُ.
وَالْجَوَابُ عَنْهُ: أَنَّنَا لَسْنَا نُوقِعُ طَلَاقَهُ لِلُزُومِ فَرْضِ الصَّلَاةِ لَهُ فَنُوجِبُ إِلْحَاقَهُ بِالنَّائِمِ وَإِنَّمَا نُوقِعُهُ لِإِحْدَى الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ: إِمَّا لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْذُورٍ وَالنَّائِمُ مَعْذُورٌ وَإِمَّا لِأَنَّهُ عَاصٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute