للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على الشفيع، ولو جعل على التأييد أَضَرَّ بِالْمُشْتَرِي فَاحْتِيجَ إِلَى مُدَّةٍ يَتَوَصَّلُ بِهَا الشَّفِيعُ إِلَى الْتِمَاسِ حَظِّهِ وَلَا يُسْتَضَرُّ الْمُشْتَرِي بِتَأْخِيرِهِ فَكَانَ أَوْلَى الْأُمُورِ فِي تَقْدِيرِهَا بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ خِلَافَ مَا قَالَ مَالِكٌ فِي تَقْدِيرِهَا بِسَنَةٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ وَبِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الثَّلَاثَ حَدٌّ فِي الشَّرْعِ لِمُدَّةِ الْخِيَارِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهَا أَقْصَى حَدِّ الْقِلَّةِ وَأَدْنَى حَدِّ الْكَثْرَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَضَى بِهَلَاكِ قَوْمٍ أَنْظَرَهُمْ بَعْدَهُ ثَلَاثًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أيّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} (هود: ٦٥) . وَقَدْ أَذِنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِلْمُهَاجِرِ أَنْ يُقِيمَ فِي مَكَّةَ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثًا، فَعَلَى هَذَا لَوْ حَصَلَ فِي خِلَالِ الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ زَمَانٌ تَتَعَذَّرُ فِيهِ الْمُطَالِبَةُ لَمْ تُحْسَبْ مِنْهَا، لِقَوْلِهِ زَمَانٌ يَتَمَكَّنُ فِي جَمِيعِهَا بِالْمُطَالَبَةِ.

فَصْلٌ

: وَإِذَا قِيلَ بِالْقَوْلِ الثَّالِثِ: إِنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ عَلَى التَّرَاخِي فَوَجْهُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فإن باع فشريكه أحق به حتى يؤذنه " فَكَانَ عَلَى عُمُومِ الْأَوْقَاتِ وَلِأَنَّ مَا مُلِكَ مِنَ الْحُقُوقِ لَا يَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ كَالدُّيُونِ، وَلِأَنَّ تَأْخِيرَ الشُّفْعَةِ أَرْفَقُ بِالْمُشْتَرِي فِي حُصُولِ الشُّفْعَةِ وَيُمَلَّكُ الْغَلَّةَ وَالْأُجْرَةَ، فَعَلَى هَذَا فِي الَّذِي يسقط حقه من الشفعة ثلاثة أقاويل:

أحدهما: الْعَفْوُ الصَّرِيحُ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ التَّعْرِيضِ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْطَعَ خِيَارَهُ إِذَا رُفِعَ إِلَيْهِ لِأَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَمْلِكُ إِسْقَاطَ الْحُقُوقِ كَالدُّيُونِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ شُفْعَتَهُ تَسْقُطُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ:

إِمَّا بالعفو الصريح، أما بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنَ التَّعْرِيضِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ إِنَّ شَفَاعَتَهُ تَسْقُطُ بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ إِمَّا بِالْعَفْوِ الصَّرِيحِ أَوْ بِمَا يدل عليه من التعرض أَوْ بِأَنْ يُحَاكِمَهُ الْمُشْتَرِي إِلَى الْقَاضِي فَيَلْزَمُهُ الأخذ أو الترك، فإن أخذه لا حُكْمَ عَلَيْهِ بِإِبْطَالِ الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ مَنْدُوبٌ إِلَى فَصْلِ الْخُصُومَاتِ، وَقَطْعِ الْمُنَازَعَاتِ.

فَصْلٌ

: فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا وَأَخَذَ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ بِالشُّفْعَةِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُشْتَرَطَ فِيهِ خِيَارُ الثَّلَاثِ، وَفِي اسْتِحْقَاقِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ كَجٍّ:

أَحَدُهُمَا: لَهُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ، لِأَنَّهُ يَخْلُفُ عَقْدَ الْبَيْعِ.

وَالثَّانِي: لَا خِيَارَ لَهُ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الشِّقْصَ مِلْكَ إِجْبَارٍ لَا عن مراضاة.

[مسألة]

قال الشافعي رحمه الله: " فإن علم بأخر الطَّلَبَ فَإِنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ مِنْ حبسٍ أَوْ غَيْرِهِ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ وَإِلَّا فَلَا شُفْعَةَ لَهُ وَلَا يَقْطَعُهَا طُولُ غَيْبَتِهِ وَإِنَّمَا يقطعها أن يعلم فيترك ".

<<  <  ج: ص:  >  >>