وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصَّبِيِّ وَالْبَالِغِ فِي هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ أَنَّ الْبَالِغَ مِنْ أَهْلِ الْعُقُودِ، فَجَازَ أَنْ يَلْتَزِمَ أَحْكَامَهَا، وَلَيْسَ الصَّبِيُّ مِنْ أَهْلِ الْعُقُودِ فَلَمْ يَلْتَزِمْ أَحْكَامَهَا.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَالِغَ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ مَا قَبَضَهُ عَنْ بَيْعٍ فَاسِدٍ ضَمِنَهُ بِالْقِيمَةِ.
وَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الصَّبِيِّ لَمْ يَضْمَنْهُ، كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يفترقا في الكتابة.
[مسألة]
قال الشافعي رضي الله عنه: (وَأَظْهَرُ مَعَانِي الْخَيْرِ فِي الْعَبْدِ بِدَلَالَةِ الْكِتَابِ الاكتساب مع الأمانة فأحب أن لا يَمْتَنِعَ مِنْ كِتَابَتِهِ إِذَا كَانَ هَكَذَا) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} وَأَنَّ الشَّافِعِيَّ تَأَوَّلَ الْخَيْرَ الْمُرَادَ فِي الْعَبْدِ الِاكْتِسَابَ مَعَ الْأَمَانَةِ، لِيَكُونَ بِالِاكْتِسَابِ قَادِرًا عَلَى الْأَدَاءِ، وَبِالْأَمَانَةِ قَادِرًا عَلَى الْوَفَاءِ.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَخْلُوَ حَالُ الْعَبْدِ فِي الْكَسْبِ والأمانة إذا طلب الكتابة من أربعة أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَجْتَمِعَا فِيهِ فَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْكَسْبِ وَالْأَمَانَةِ فَكِتَابَتُهُ نَدْبٌ فَيُسْتَحَبُّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُجِيبَ إِلَيْهَا، وَهِيَ الَّتِي أَوْجَبَهَا مِنْ مَالٍ بِوُجُوبِ الْكِتَابَةِ.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يُعْدَمَا فِيهِ، فَلَا يَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْكَسْبِ وَلَا مِنْ أَهْلِ الْأَمَانَةِ فَكِتَابَتُهُ مُبَاحَةٌ لَا تَجِبُ وَلَا تُسْتَحَبُّ وَهِيَ إِلَى الْمَنْعِ مِنَ الْجَوَازِ أَقْرَبُ، لِأَنَّهُ لِعَدَمِ الْكَسْبِ عَاجِزٌ وَلِعَدَمِ الْأَمَانَةِ خَائِنٌ، وَكَرِهَهَا أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ كَمَا تُكْرَهُ مُخَارَجَةُ الْأَمَةِ.
وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَكُونَ مُكْتَسِبًا غَيْرَ أَمِينٍ فَلَا يُسْتَحَبُّ لِعَدَمِ أَمَانَتِهِ، وَلَا تُكْرَهُ لِوُجُودِ قُدْرَتِهِ.
وَالْحَالُ الرَّابِعَةُ: أَنْ يَكُونَ أَمِينًا غَيْرَ مُكْتَسِبٍ، فَلَا تُسْتَحَبُّ لِعَدَمِ كَسْبِهِ وَظُهُورِ عَجْزِهِ وَلَا تُكْرَهُ لِأَمَانَتِهِ، وَأَنَّهُ قَدْ يُرَاعَى لِأَجْلِهَا مِنْ سَهْمِ الرِّقَابِ فِي الزَّكَاةِ وَكَانَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يُقَدِّمُ فِي الِاخْتِيَارِ مُكَاتَبَةَ الْأَمِينِ غَيْرِ الْمُكْتَسِبِ عَلَى مُكَاتَبَةِ الْمُكْتَسِبِ غَيْرِ الْأَمِينِ، لِأَنَّ ذَا الْأَمَانَةِ مُعَانٌ وَلَا فَرْقَ فِي الْكِتَابَةِ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ اسْتِشْهَادًا بِبَرِيرَةَ وَلِصِحَّةِ العتق فيهما وجواز الاكتساب منهما.
[مسألة]
قال الشافعي رضي الله عنه: (وَمَا جَازَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ جَازَ فِي الْكِتَابَةِ وَمَا رُدَّ فِيهِمَا رُدَّ فِي الْكِتَابَةِ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَلَمْ تَصِحَّ إِلَّا بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ وَأَجَلٍ