أَنْ يَخْلِطَا الْمَالَيْنِ وَمَا لَمْ يَخْلِطَاهُ فَهُمَا غَيْرُ شَرِيكَيْنِ فِيهِ وَقَالَ أبو حنيفة تَصِحُّ الشَّرِكَةُ وَإِنْ كَانَ مَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا مَعَهُ فِي كِيسٍ وَيَشْتَرِيَانِ مَعًا وَيَدْفَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ دَرَاهِمِهِ ثَمَنَ حِصَّتِهِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ إِنَّمَا هُوَ وَعْدٌ بِالشَّرِكَةِ ثُمَّ يَسْتَقِرُّ بِالشِّرَاءِ وَدَفْعِ الثَّمَنِ فَأَمَّا أَنْ تَكُونَ الشَّرِكَةُ فِي الْمَالِ فَلِأَنَّ الشَّرِكَةَ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الِاشْتِرَاكِ وَالِاخْتِلَاطِ وَمَعَ تَمْيِيزِ الْمَالَيْنِ فَلَا تَكُونُ شَرِكَةٌ وَلَا خُلْطَةٌ.
(فَصْلٌ)
إِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ دَيْنًا فَقَالَ صَاحِبُ الدَّيْنِ لِمَنْ هِيَ عَلَيْهِ اجْعَلِ الدَّيْنَ الَّذِي لِي عَلَيْكَ شَرِكَةً بَيْنِي وَبَيْنَكَ تُخْرِجُ مِنْ مَالِكَ أَلْفًا بِإِزَائِهَا وَتَتَّجِرُ بِالْأَلْفَيْنِ لِيَكُونَ الرِّبْحُ بَيْنَنَا نِصْفَيْنِ لَمْ تَصِحَّ هَذِهِ الشَّرِكَةُ لِأَنَّهَا شَرِكَةٌ بِدَيْنٍ وَشَرِكَةُ الدَّيْنِ فَاسِدَةٌ حَتَّى يَقْبِضَ صَاحِبُ الدَّيْنِ مَالَهُ وَيُخْرِجَ الْآخَرُ مِثْلَهُ وَيَخْلِطَاهُ فَيَصِيرَا حِينَئِذٍ شَرِيكَيْنِ فَتَصِحُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[(مسألة)]
قال المزني رضي الله عنه: " فَإِنِ اشْتَرَيَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ أَحَدُهُمَا دُونَ صَاحِبِهِ فَإِنْ جَعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ أَنْ يَتَّجِرَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِمَا رَأَى مِنْ أَنْوَاعِ التِّجَارَاتِ قَامَ فِي ذَلِكَ مَقَامَ صَاحِبِهِ فَمَا رَبِحَا أَوْ خَسِرَا فَلَهُمَا وَعَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ إِذَا خَلَطَ الشَّرِيكَانِ مَالَ الشَّرِكَةِ لَمْ يَجُزْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي جَمِيعِهِ وَيَتَّجِرَ فِيهِ إِلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ: إِذَا خَلَطَاهُ عَلَى الشَّرِكَةِ أَوِ ابْتَاعَا مَتَاعًا لِلشَّرِكَةِ جَازَ أَنْ يَتَصَرَّفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي جَمِيعِهِ وَلَمْ يَحْتَجْ لِلْإِذْنِ اعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ فِي مَوْضُوعِ اللَّفْظِ وَمَقْصُودِ الشَّرِكَةِ وَبِهِ قَالَ أبو حنيفة وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ خَلْطَ الْمَالِ لَا يُفِيدُ أَكْثَرَ مِنَ الشَّرِكَةِ فِيهِ وَحُدُوثُ الشَّرِكَةِ فِي الْمَالِ لَا يُوجِبُ التَّصَرُّفَ فِي جَمِيعِهِ كَمَا لَوْ وَرِثَا مَالًا أَوِ اسْتَوْهَبَاهُ وَلِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِحَقِّ النِّيَابَةِ إِنَّمَا يَكُونُ وَكَالَةً وَالْوَكَالَةُ لَا تَصِحُّ إِلَّا بِلَفْظٍ صَرِيحٍ كَمَا لَوْ أَرَادَ التَّصَرُّفَ فِي مَالٍ غَيْرِ مُشْتَرَكٍ وَاسْتِشْهَادُ أَبِي الْعَبَّاسِ بِالْعُرْفِ بَاطِلٌ، لِأَنَّ الشَّرِكَةَ عَقْدٌ وَالْعُقُودُ لَا يُقْتَنَعُ فِيهَا بِالْعُرْفِ دُونَ التَّصْرِيحِ بِاللَّفْظِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَعَقْدُ الشَّرِكَةِ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْوَكَالَةِ فِي تَصَرُّفِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَالِ صَاحِبِهِ وَحُكْمُ الْمِلْكِ فِي تصرفه في مال نَفْسِهِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَخْلُو حَالُ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَأْذَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ فِي التَّصَرُّفِ وَالتِّجَارَةِ فَتَصِحُّ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا التِّجَارَةُ فِي جَمِيعِ الْمَالِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ ثُمَّ الْإِذْنُ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ إِذْنًا عَامًّا فِيمَا رَأَى مِنْ أَنْوَاعِ التِّجَارَاتِ وَصُنُوفِ الْأَمْتِعَةِ فَيَقْتَصِرُ بِالْإِذْنِ عَلَى خُصُوصِهِ ثُمَّ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ خُصُوصِ الْإِذْنِ وَعُمُومِهِ أَنْ يُسَافِرَ بِالْمَالِ إلا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute