للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ لَوْ شَرَطَ الْبَائِعُ تَرْكَهَا إِلَى وَقْتِ الْجِذَاذِ لَزِمَ، وَجَبَ إِذَا كَانَ الْعُرْفُ أَنْ تُتْرَكَ إِلَى وَقْتِ الْجِذَاذِ أَنْ تَلْتَزِمَ.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا ذَكَرَهُ مِنَ الدَّارِ فَهُمَا سَوَاءٌ وَالْعُرْفُ فِيهِمَا مُعْتَبَرٌ لَكِنَّ الْعُرْفَ فِي الدَّارِ أَنْ يَنْقُلَ الْبَائِعُ مَتَاعَهُ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ وَفِي الثِّمَارِ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِ الْجِذَاذِ ثُمَّ يَقُولُ مَنْفَعَةُ الدَّارِ تَبْطُلُ بِإِقْرَارِ الْمَتَاعِ فيها ولا تبطل منفعة النخل بإقرار الثمرة عليها. وأما الجواب عن استدلاله بأنها مَنْفَعَةُ مُسْتَثْنَاةٌ كَالسُّكْنَى فَهُوَ أَنَّ الْأُصُولَ قَدْ فَرَّقَتْ بَيْنَ اسْتِثْنَاءِ الْمَنْفَعَةِ بِالْعَقْدِ وَبَيْنَ اسْتِثْنَائِهَا بِالشَّرْطِ. أَلَّا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ أَمَةً وَاسْتَثْنَى الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا لَمْ يَجُزْ وَكَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا، وَلَوْ كَانَتْ مُزَوَّجَةً كَانَ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا مُسْتَثْنًى وَالْعَقْدُ صَحِيحٌ ثُمَّ الْفَرْقُ بَيْنَ السُّكْنَى وَالنَّفَقَةِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ.

فَإِذَا تَقَرَّرَ أن اسْتِيفَاءَ الثَّمَرَةِ إِلَى أَوَانِ الْجِذَاذِ فَإِنْ كَانَتْ مِمَّا تُؤْخَذُ ثَمَرًا إِلَى أَوَّلِ أَوْقَاتِ جِذَاذِهَا ثَمَرًا، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا تُؤْخَذُ رَطْبًا فَإِلَى أَوَّلِ أَوْقَاتِ لِقَاطِهَا رَطْبًا، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا تُؤْخَذُ بُسْرًا فَإِلَى أَوَّلِ قَطْعِهَا بُسْرًا، وَكَذَا الْكَلَامُ فِي الْكَرْمِ وَالشَّجَرِ فَنُقِرُّ الْكَرْمَ إِلَى وَقْتِ الْقِطَافِ وَالشَّجَرَ إِلَى وَقْتِ اللِّقَاطِ.

مَسْأَلَةٌ:

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " فَإِذَا كَانَ لَا يُصْلِحُهَا إِلَّا السَّقْيُ فَعَلَى الْمُشْتَرِي تَخْلِيَةُ الْبَائِعِ وَمَا يَكْفِي مِنَ السَّقْيِ وَإِنَّمَا لَهُ مِنَ الْمَاءِ مَا فِيهِ صَلَاحُ ثَمَرِهِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ:

إِذَا اسْتَحَقَّ الْبَائِعُ تَرْكَ الثَّمَرَةِ عَلَى نَخْلِ الْمُشْتَرِي إِلَى وَقْتِ الْجِذَاذِ فَقَدْ تَحْتَاجُ الثَّمَرَةُ إِلَى مَا يُصْلِحُهَا مِنَ السَّقْيِ فَيَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي تَمْكِينُهُ مِنَ السَّقْيِ لِمَا قَدِ اسْتَحَقَّهُ مِنْ إِصْلَاحِ ثَمَرَتِهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَخْلُو حَالُ السَّقْيِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:

إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُمْكِنًا أَوْ مُتَعَذِّرًا.

فَإِنْ كَانَ السَّقْيُ مُمْكِنًا لَمْ يَخْلُ حَالُهُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ نَافِعًا لِلنَّخْلِ وَالثَّمَرَةِ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَسْقِيَ وَعَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يُمَكِّنَهُ وَمُؤْنَةُ السَّقْيِ عَلَى الْبَائِعِ دُونَ الْمُشْتَرِي لِمَا فِيهِ مِنْ صَلَاحِ ثَمَرَتِهِ وَإِنْ كَانَ لِنَخْلِ الْمُشْتَرِي فِيهِ صَلَاحٌ لِأَنَّ الْأَغْلَبَ مِنْ حَالِ السَّقْيِ صَلَاحُ الثَّمَرَةِ وَالنَّخْلُ تَبَعٌ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ أَنْ يَبِيعَ صَاحِبُ النَّخْلِ ثَمَرَتَهُ فَيَجِبُ سَقْيُهَا عَلَى صَاحِبِ النَّخْلِ دُونَ مُشْتَرِي الثَّمَرَةِ أَنَّ مَنْ بَاعَ ثَمَرَةً وَجَبَ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهَا بِمَنَافِعِهَا، وَمِنْ مَنَافِعِهَا السَّقْيُ فَوَجَبَ عَلَى بَائِعِهَا دُونَ الْمُشْتَرِي لَهَا، وَلَيْسَتْ هَذِهِ الثَّمَرَةُ الْحَاصِلَةُ لِبَائِعِ النَّخْلِ بِالتَّأْبِيرِ مَضْمُونَةً عَلَى صَاحِبِ النَّخْلِ بِالتَّسْلِيمِ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ السَّقْيُ فَلَوِ امْتَنَعَ الْبَائِعُ فِي مَسْأَلَتِنَا مِنْ سَقْيِ ثَمَرَتِهِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ، وَقِيلَ لِمُشْتَرِي النَّخْلِ إِنْ أَرَدْتَ سَقْيَ نَخْلِكَ فَاسْقِهِ وَلَا نُجْبِرُكَ عَلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>