وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ إِلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ لِأَنَّ الْعِلْمَ مُحِيطٌ بِأَنَّ فِيهِمَا زَوْجَةً فَلَمْ يَكُنِ الْجَهْلُ بِهَا مُوجِبًا لِفَسْخِ نِكَاحِهَا حَتَّى يَتَوَلَّاهُ مَنْ لَهُ مَدْخَلٌ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ وَهُوَ الْحَاكِمُ.
فَصْلٌ
فَإِذَا عَقَدَ الرَّجُلُ عَلَى امْرَأَةٍ نِكَاحًا فَاسِدًا ثُمَّ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا أُخْتَهَا فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَعْلَمَ بِفَسَادِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ نِكَاحُ الثَّانِيَةِ جَائِزًا سَوَاءٌ عَلِمَ أَنَّهَا أُخْتُ الْأُولَى وَقْتَ الْعَقْدِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ لَا يعلم بفساد النكاح في حتى يعقد على انتهاء فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَعْلَمَ وقت عقده على الثانية أنها أخت الأولى فَيَكُونُ نِكَاحُهَا جَائِزًا لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتَرِنْ بِعَقْدِهِ مَنْعٌ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَعْلَمَ وَقْتَ عَقْدِهِ على الثانية أيهما أُخْتُ الْأُولَى، وَلَا يَعْلَمُ بِفَسَادِ نِكَاحِ الْأُولَى حَتَّى يَعْقِدَ عَلَى الثَّانِيَةِ فَنِكَاحُ الثَّانِيَةِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ أَقْدَمَ عَلَى نِكَاحٍ هُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ في الظاهر فجرى عَلَيْهِ حُكْمُ الْحَظْرِ فِي الْفَسَادِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[مسألة]
قال الشافعي: " وَإِنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ لِأَنَّهَا مبهمةٌ وحلت له ابنتها لأنها من الربائب وإن دَخَلَ بِهَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ أُمُّهَا وَلَا ابْنَتُهَا أَبَدًا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الرَّبَائِبُ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُنَّ بَنَاتُ الزَّوْجَاتِ إِحْدَاهُنَّ رَبِيبَةٌ وَفِي تسميتها بذلك وجهان:
إحداهما: لأنه تَكُونُ فِي الْأَغْلَبِ فِي تَرْبِيَتِهِ وَكَفَالَتِهِ.
وَالثَّانِي: لِأَنَّهَا تَرُبُّ الدَّارَ أَيْ تُدَبِّرُهَا وَتُعْنَى بِهَا فَإِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ امْرَأَةً حَرُمَ عَلَيْهِ بِالْعَقْدِ عليها ثلاثة أصناف من مناسبها صِنْفٌ أَعْلَى وَهُنَّ الْأُمَّهَاتُ، وَصِنْفٌ أَدْنَى وَهُنَّ الْبَنَاتُ وَصِنْفٌ مُشَارِكَاتٌ وَهُنَّ الْأَخَوَاتُ وَالْعَمَّاتُ وَالْخَالَاتُ فَكُلُّهُنَّ مُحَرَّمَاتٌ عَلَيْهِ مَا كَانَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا باقياً فإذا ارتفع عَنْهَا بِمَوْتٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ فَسْخٍ انْقَسَمَتْ أَحْوَالُ هَؤُلَاءِ الْمُحَرَّمَاتِ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ.
قِسْمٌ يَحْلِلْنَ لَهُ بَعْدَ ارْتِفَاعِ الْعَقْدِ عَنْ زَوْجَتِهِ سَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا أَمْ لَا وَهُنَّ الْأَخَوَاتُ وَالْعَمَّاتُ وَالْخَالَاتُ، لِأَنَّ تَحْرِيمَهُنَّ تَحْرِيمُ جَمْعٍ لَا تَحْرِيمُ تَأْبِيدٍ.
وَقِسْمٌ ثَانٍ لَا يَحْلِلْنَ لَهُ وَإِنِ ارْتَفَعَ الْعَقْدُ عَنْ زَوْجَتِهِ سَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا أم لا، وهن الأمهات لأنهن يحرمن بِالْعَقْدِ تَحْرِيمَ تَأْبِيدٍ.
وَقِسْمٌ ثَالِثٌ: يَحْلِلْنَ بَعْدَ ارْتِفَاعِ الْعَقْدِ عَنْ زَوْجَتِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ دَخَلَ بِهَا وَيَحْرُمْنَ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا وَهُنَّ الْبَنَاتُ، لِأَنَّهُنَّ يَحْرُمْنَ بِالْعَقْدِ تَحْرِيمَ جَمْعٍ وَبِالدُّخُولِ تَحْرِيمَ تَأْبِيدٍ بِخِلَافِ الْأُمَّهَاتِ الْمُحَرَّمَاتِ بِالْعَقْدِ تَحْرِيمَ تَأْبِيدٍ، وَهُوَ قَوْلُ جمهور الصحابة والتابعين والفقهاء وحكي ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَمُجَاهِدٍ أَنَّ الْأُمَّهَاتِ