للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنْ تَزُولَ عُذْرَتُهَا بِوَطْءٍ، فَالْوَطْءُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ حَلَالًا إِمَّا فِي عَقْدِ نِكَاحٍ، أَوْ بِمِلْكِ يَمِينٍ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ شُبْهَةً.

وَالثَّالِثُ: أن يكون زنى حراماً وجميع ذلك يزول به الْبِكَارَةِ سَوَاءً كَانَ الْوَطْءُ بِنِكَاحٍ، أَوْ سِفَاحٍ وَيَجْرِي عَلَيْهَا حُكْمُ الثَّيِّبِ.

وَقَالَ أبو حنيفة: إِذَا زَالَتْ عُذْرَتُهَا بِزِنًا كَانَتْ فِي حُكْمِ البِكْر إِلَّا أَنْ يَتَكَرَّرَ مِنْهَا اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ الزَّانِيَةَ إِذَا تَذَكَّرَتْ مَا فَعَلَتْ مِنَ الزِّنَا خجلت واستحييت مِنَ التَّصْرِيحِ بِطَلَبِ الْأَزْوَاجِ فَكَانَ حَالُهَا أَسْوَأَ حَالًا مِنَ الْبِكْرِ، وَلِأَنَّ كُلَّ وَطْءٍ لَا يُبِيحُ الرَّجْعَةَ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ لَمْ يَزُلْ بِهِ حُكْمُ الْبَكَارَةِ كَالْوَطْءِ فِي غَيْرِ الْقُبُلِ.

وَدَلِيلُنَا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَيْسَ لِلْوَلِيِّ مَعَ الثَّيِّبِ أَمْرٌ " فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ وَلِأَنَّ بَكَارَتَهَا زَالَتْ بِوَطْءٍ فَوَجَبَ أَنْ تكون في حكم الثيب كالموطؤة فِي نِكَاحٍ، وَلِأَنَّ كُلَّ وَطْءٍ زَالَتْ بِهِ الْبَكَارَةُ إِذَا كَانَ حَلَالًا زَالَتْ بِهِ الْبَكَارَةُ، وَإِنْ كَانَ مَحْظُورًا كَوَطْءِ الشُّبْهَةِ، وَلِأَنَّ كُلَّ وَطْءٍ زَالَتْ بِهِ الْبَكَارَةُ إِذَا تَكَرَّرَ زَالَتْ بِهِ الْبَكَارَةُ وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ كَالْمَنْكُوحَةِ، وَقَدْ قال: إنه لو تكرر منها الزنا صارت ثيباً وكذلك إِذَا لَمْ يَتَكَرَّرُ وَلِأَنَّ صَمْتَ الْبِكْرِ إِنَّمَا صار إذناً لاستحيائها بدوام الخفر وقلة اختيارها لِلرِّجَالِ فَتَمَيَّزَتْ عَنِ الثَّيِّبِ الَّتِي قَدْ ظَهَرَ خفرها وخبرت الرِّجَالَ فَصَارَتْ أَقَلَّ حَيَاءً مِنَ الْبِكْرِ وَالزَّانِيَةُ لَمْ تُقْدِمْ عَلَى الزِّنَا إِلَّا لِزَوَالِ الْحَيَاءِ وَارْتِفَاعِ الْخَفْرِ فَصَارَتْ أَجْرَأَ عَلَى الْقَوْلِ وَأَخْبَرَ بالرجال من ذات الزَّوْجِ، وَفِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ انْفِصَالٌ عَمَّا أَوْرَدَهُ فأما قِيَاسُهُ مَعَ انْتِقَاضِهِ بِتَكْرَارِ الزِّنَا فَالْمَعْنَى فِي الوطء في غير القبل بقاء العذرة مفارق الزنا الذي زالت به العذرة في الوطء في غير القبل.

[فصل]

وأما زَوَالُ الْعُذْرَةِ بِإِصْبَعٍ أَوْ ظُفْرَةٍ أَوْ جِنَايَةٍ غَيْرِ الْوَطْءِ، فَقَدْ ذَهَبَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ خيران من أصحابنا إلى أنه رُفِعَ حُكْمُ الْبَكَارَةِ اسْتِدْلَالًا بِمَذْهَبٍ وَحِجَاجٍ.

فَالْمَذْهَبُ أن الشافعي قال: أصيبت بنكاح أو غيره.

وَأَمَّا الْحِجَاجُ فَهُوَ: أَنَّ الْحُكْمَ تَابِعٌ لِلِاسْمِ فَلِمَّا زَالَ بِذَلِكَ اسْمُ الْبَكَارَةِ وَجَبَ أَنْ يَزُولَ بِهِ حُكْمُ الْبَكَارَةِ وَهَذَا خَطَأٌ بَلْ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَسَائِرِ أَصْحَابِهِ أَنَّ حُكْمِ الْبَكَارَةِ جَارٍ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ صَمْتَ الْبِكْرِ إِنَّمَا كَانَ نطقاً لما هي عَلَيْهِ مِنَ الْحَيَاءِ وَعَدَمِ الْخِبْرَةِ بِالرِّجَالِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي هَذِهِ الَّتِي زَالَتْ عُذْرَتُهَا بِغَيْرِ وَطْءٍ فَلَمَّا وُجِدَ مَعْنَى الْبِكْرِ فِيهَا وَجَبَ أَنْ يُعَلَّقَ بِهَا حُكْمُ الْبِكْرِ، وَتَعْلِيقُ أَحْكَامُ الْبِكْرِ بِمَعَانِي الْأَسْمَاءِ أَوْلَى مِنْ تَعْلِيقِهَا بِمُجَرَّدِ الْأَسْمَاءِ، وَفِيهِ انْفِصَالٌ، وَمَا ادَّعَاهُ مِنَ المذهب فقد زال فِيهِ، لِأَنَّ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ: " أُصِيبَتْ بِنِكَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ " يَعْنِي أَوْ غَيْرِ نِكَاحٍ مِنْ شُبْهَةٍ، أَوْ زِنًا وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي كِتَابِ " الأم ".

وأما التي زالت عُذْرَتُهَا خِلْقَةً فَلَا خِلَافَ أَنَّهَا فِي حُكْمِ الْبِكْرِ وَهَذَا مِمَّا يُوَضِّحُ فَسَادَ قَوْلِ ابْنِ خَيْرَانَ حَيْثُ اعْتَبَرَ الْحُكْمَ بِمُجَرَّدِ الِاسْمِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>