للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْمِثْلِ لِأَنَّهُ يَصِحُّ ثُبُوتُهُ فِي الذِّمَّةِ إِذَا وُصِفَ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اقْتَرَضَ حَيَوَانًا فَرَدَّ حَيَوَانًا.

وَلِأَنَّ الْقَرْضَ إِرْفَاقٌ وَمَعُونَةٌ فَبَايَنَ حُكْمُ الْمَغْصُوبِ بِالْمُفَاضَلَةِ.

وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ: مَا لَا مِثْلَ لَهُ وَلَا يُضْبَطُ بِالصِّفَةِ كَاللُّؤْلُؤِ وَالْجَوْهَرِ وَالْمَعْجُونَاتِ مِنْ طِيبٍ أَوْ دَوَاءٍ وَالْخُبْزِ وَالْبُرِّ الْمُخْتَلِطِ بِالشَّعِيرِ فَهَذَا وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ فِي جَوَازِ قَرْضِهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ مَذْهَبُ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّ قَرْضَهُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَا يُضْبَطُ بِمِثْلٍ وَلَا صِفَةٍ فَلَمْ يَصِحَّ اسْتِقْرَارُهُ فِي الذِّمَّةِ كَالسَّلَمِ.

فَتَكُونُ الْعِلَّةُ فِيمَا يَصِحُّ قَرْضُهُ عَلَى مَذْهَبِ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّهُ يَصِحُّ فِيهِ السَّلَمُ، وَمَا لَا يَصِحُّ قَرْضُهُ هُوَ مَا لَا يَصِحُّ فِيهِ السَّلَمُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ مَذْهَبُ الْبَغْدَادِيِّينَ أَنَّ قَرْضَهُ جَائِزٌ لِأَنَّ بَيْعَهُ جَائِزٌ، وَجَعَلُوا الْعِلَّةَ فِيمَا يَجُوزُ قَرْضُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى مُقْتَرِضِهِ بِالْقِيمَةِ وَجْهًا وَاحِدًا.

وَفِي اعْتِبَارِ زَمَانِ مَا ضُمِنَ مِنَ الْقَرْضِ بِالْقِيمَةِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ قِيمَتَهُ مُعْتَبَرَةٌ وَقْتَ قَبْضِهِ. وَهَذَا قَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْقَرْضَ يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ أَكْثَرَ مَا كَانَ قِيمَةً مِنْ حين قبض إلى حين تصرف. وَهَذَا قَوْلُ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ الْقَرْضَ يُمْلَكُ بِالتَّصَرُّفِ.

فَصْلٌ:

فَأَمَّا الْحَيَوَانُ فَإِنَّ أبا حنيفة مَنَعَ مِنْ جَوَازِ قَرْضِهِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ السَّلَفَ فِيهِ لَا يَجُوزُ.

وَالدَّلَالَةُ عَلَى جَوَازِ قَرْضِهِ مَعَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ جَوَازِ السَّلَمِ فِيهِ حَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اقْتَرَضَ مِنْ رَجُلٍ بَكْرًا وَرَدَّ عَلَيْهِ جَمَلًا رَبَاعِيًّا.

وَلِأَنَّ كُلَّ عَيْنٍ صَحَّ أَنْ تَثْبُتَ فِي الذِّمَّةِ صَدَاقًا صَحَّ أَنْ تَثْبُتَ فِي الذِّمَّةِ قَرْضًا وَسَلَمًا كَالثِّيَابِ. وَلِأَنَّ كُلَّ مَا جَازَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتَرِضَهُ لِلْمَسَاكِينِ جَازَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَقْتَرِضَهُ لِنَفْسِهِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، فَإِنَّ أبا حنيفة يجوز للوالي أن يقرض الْحَيَوَانَ لِلْمَسَاكِينِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَصْلٌ:

وَأَمَّا الْجَوَارِي فَإِنَّ الْمُزَنِيَّ وَدَاوُدَ وَابْنَ جَرِيرٍ الطَّبَرِيَّ يُجِيزُونَ قَرْضَهُنَّ كَمَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِنَّ.

وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّ مِلْكَ الْقَرْضِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ لِأَنَّ لِلْمُقْرِضِ اسْتِرْجَاعَهُ وَلِلْمُقْتَرِضِ رَدَّهُ وَالْوَطْءُ لَا يَجُوزُ إِلَّا في ملك تام، لأن لا يَصِيرَ الْإِنْسَانُ مُسْتَبِيحًا لِلْوَطْءِ بِغَيْرِ بَدَلٍ وَلَيْسَ هَذَا كَالْأَبِ إِذَا وَهَبَ جَارِيَةً لِوَلَدِهِ فِي جَوَازِ الْهِبَةِ مَعَ جَوَازِ اسْتِرْجَاعِ الْأَبِ لَهَا، لِأَنَّ مِلْكَ الْأَبِ قَدِ انْقَطَعَ بِالْهِبَةِ وَإِنَّمَا يُسْتَحْدَثُ مِلْكُهَا بِالِاسْتِرْجَاعِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>