قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اشْتِرَاطُ الْخَسْقِ إِنَّمَا يَكُونُ فِي إِصَابَةِ الشَّنِّ دُونَ الْهَدَفِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الشَّنَّ هُوَ جِلْدٌ يُنْصَبُ فِي الْهَدَفِ تُمَدُّ أَطْرَافُهُ بِأَوْتَارٍ أَوْ خُيُوطٍ تُشَدُّ فِي أَوْتَادٍ مَنْصُوبَةٍ فِي الْهَدَفِ الْمَبْنِيِّ، وَرُبَّمَا كَانَ مُلْصَقًا بِحَائِطِ الْهَدَفِ، وَرُبَّمَا كَانَ بَعِيدًا مِنْهُ بِنَحْوٍ مِنْ شِبْرٍ أَوْ ذِرَاعٍ، وَهُوَ أَبْعَدُ مَا يُنْصَبُ، وَخَسْقُ الشَّنِّ إِذَا كَانَ بَعِيدًا مِنَ الْهَدَفِ أَوْضَحُ مِنْهُ إِذَا كَانَ مُلْصَقًا بِهِ.
فَإِذَا رَمَى وَالشَّنُّ مُلْصَقٌ بِالْهَدَفِ، فَأَصَابَ الشَّنَّ ثُمَّ سَقَطَ بِالْإِصَابَةِ خَسَقَ، فَزَعَمَ الرَّامِي أَنَّهَا خَسَقَ وَلَقِيَ غِلَظًا فِي الْهَدَفِ مِنْ حَصَاةٍ أَوْ نَوَاةٍ، فَرَجَعَ وَهُوَ خَاسِقٌ وَزَعَمَ الْمَرْمِيُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَرَعَ فَسَقَطَ، وَلَمْ يَخْسِقْ، فَلَهُمَا ثلاثة أحوال:
أحدهما: أَنْ يُعْلَمَ صِدْقُ الرَّامِي فِي قَوْلِهِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُعْرَفَ مَوْضِعُ خَسْقِهِ، وَيُرَى الْغِلَظُ مِنْ ورائه، فيكون القول قول مَعَ يَمِينٍ، لِأَنَّ الْحَالَ شَاهِدَةٌ بِصِدْقِهِ.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يُعْلَمَ صِدْقُ الْمَرْمِيِّ عَلَيْهِ فِي إِنْكَارِهِ إِمَّا بِأَنْ لَا يَرَى فِي الشَّنِّ خَسْقًا، وَإِمَّا بِأَنْ لَا يَرَى فِي الْهَدَفِ غِلَظًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْحَالَ شَاهِدَةٌ بِصِدْقِهِ.
وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَحْتَمِلَ صِدْقَ الْمُدَّعِي وَصِدْقَ الْمُنْكِرِ، لِأَنَّ فِي الشَّنِّ خواسق وفي الهدف غلط وَقَدْ أَشْكَلَتِ الْإِصَابَةُ هَلْ كَانَتْ فِي مُقَابَلَةِ الْغِلَظِ أَمْ لَا؟ فَإِنْ كَانَتْ بَيِّنَةٌ حُمِلَ عَلَيْهَا، وَإِنْ عُدِمَتِ الْبَيِّنَةُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَا يُحْتَسَبُ بِهِ مُصِيبًا وَفِي الِاحْتِسَابِ بِهِ مُخْطِئًا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يُحْتَسَبُ بِهِ فِي الْخَطَأِ إِذَا لَمْ يُحْتَسَبْ بِهِ فِي الْإِصَابَةِ لِوُقُوفِ الرَّامِي بَيْنَ صَوَابٍ وَخَطَأٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُحْتَسَبُ بِهِ فِي الْإِصَابَةِ، لِأَنَّ الْإِصَابَةَ لَا يُحْتَسَبُ بِهَا إِلَّا مَعَ الْيَقِينِ، وَكَذَلِكَ لَا يُحْتَسَبُ بِالْخَطَأِ إِلَّا مَعَ الْيَقِينِ، فَإِنْ نَكَلَ الْمُنْكِرُ عَنِ الْيَمِينِ أَحْلَفَ الرَّامِي الْمُدَّعِيَ، فَإِذَا حَلَفَ احْتُسِبَ بِإِصَابَتِهِ.
(مَسْأَلَةٌ:)
قَال الشافعي: " وإن كان الشن بَالِيًا فَأَصَابَ مَوْضِعَ الْخَرْقِ فَغَابَ فِي الْهَدَفِ فَهُوَ مصيبٌ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا مُعْتَبِرٌ بِالشَّنِّ والهدف، ولهما ثلاثة أحوال:
أحدهما: أَنْ يَكُونَ الْهَدَفُ أَشَدَّ مِنَ الشَّنِّ، لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ قَدْ قَوِيَ وَاشْتَدَّ، فَإِذَا وَصَلَ السَّهْمُ إِلَيْهِ مِنْ ثَقْبٍ فِي الشَّنِّ ثَبَتَ فِي الْهَدَفِ الَّذِي هُوَ أَقْوَى مِنَ الشَّنِّ كَانَ ثُبُوتُهُ فِي الشَّنِّ الْأَضْعَفِ أَجْدَرَ وَهُوَ الَّذِي أَرَادَهُ الشَّافِعِيُّ، فَيُحْتَسَبُ بِهِ خَاسِقًا.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ الشَّنُّ أَقْوَى مِنَ الْهَدَفِ وَأَشَدَّ، لِأَنَّهُ جِلْدٌ مَتِينٌ،