للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَوْلُهُ: " فَكَّ اللَّهُ رِهَانَكَ كَمَا فَكَكْتَ رِهَانَ أَخِيكَ "، فَمَعْنَى فَكَّ فِيمَا كَانَ مَانِعًا مِنَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا ادِّعَاؤُهُمُ اسْتِحَالَةَ ثُبُوتِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّتَيْنِ، فَغَلَطٌ، لِأَنَّ مَعْنَى ثُبُوتِ الدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ إِنَّمَا هُوَ اسْتِحْقَاقُ الْمُطَالَبَةِ بِهِ، وَلَيْسَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ الْوَاحِدُ يُسْتَحَقُّ الْمُطَالَبَةُ بِهِ لِشَخْصَيْنِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ غَصَبَ شَيْئًا، ثُمَّ غَصَبَهُ مِنْهُ غَاصِبٌ آخَرُ، وَاسْتَهْلَكَهُ كَانَ لِلْمَالِكِ مُطَالَبَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِهِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُسْتَحِيلًا، كَذَلِكَ فِي الضَّمَانِ.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الضَّمَانَ لَا يَنْقُلُ الْحَقَّ، فَالْمَضْمُونُ لَهُ بِالْخِيَارِ فِي مُطَالَبَةِ أَيِّهِمَا شَاءَ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ لَا يَجُوزُ مُطَالَبَةُ الضَّامِنِ بِالْحَقِّ إِلَّا بَعْدَ عَجْزِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ، وَقَدْ جَعَلَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَوْلًا مُحْتَمَلًا وَخَرَّجَهُ لِنَفْسِهِ وَجْهًا، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ لَهُ الْخِيَارُ فِي أَنْ يَبْتَدِئَ بِمُطَالَبَةِ أَيِّهِمَا شَاءَ.

فَإِذَا طَالَبَ أَحَدَهُمَا لَمْ تَكُنْ لَهُ مُطَالَبَةُ الْآخَرِ بِشَيْءٍ وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ ثُبُوتَ الْحَقِّ فِي ذِمَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مَا وَصَفْنَا يُوجِبُ مُطَالَبَةَ كُلِّ واحد منهما، وتمنع من إيقاع الحجر عليه مُطَالَبَتُهُ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي مُطَالَبَةِ أَيِّهِمَا شَاءَ فَحَجَرَ عَلَيْهِمَا بِالْفَلَسِ أَعْنِي الضَّامِنَ وَالْمَضْمُونَ عَنْهُ، وَأَرَادَ الْحَاكِمُ بَيْعَ أَمْوَالِهِمَا فِي دينهما، فقال: الضامن أبرأ بِبَيْعِ مَالِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ، فَإِنْ وَفَى بِدَيْنِهِ بَرِئْتُ مِنْ ضَمَانِهِ، وَإِنْ عَجَزَ بِيعَ مِنْ مَالِي بِقَدْرِهِ، وَقَالَ الْمَضْمُونُ لَهُ أُرِيدُ أَنْ أَبِيعَ مَالَ أَيِّكُمَا شِئْتُ بِدَيْنِي، قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ إِنْ كَانَ الضَّامِنُ ضَمِنَ بِأَمْرِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَإِنْ ضَمِنَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَالْخِيَارُ إِلَى الْمَضْمُونِ لَهُ فِي بَيْعِ مَالِ أَيِّهِمَا شَاءَ والله أعلم.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " فَإِنْ ضَمِنَ بِأَمْرِهِ وَغَرِمَ رَجَعَ بِذَلِكَ عَلَيْهِ وَإِنْ تَطَوَّعَ بِالضَّمَانِ لَمْ يَرْجِعْ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، وَجُمْلَتُهُ أَنَّ مَنْ ضَمِنَ مَالًا عَنْ غَيْرِهِ وَأَدَّاهُ عَنْهُ لَمْ يَخْلُ حَالُهُ فِيهِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَضْمَنَ عَنْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَيُؤَدِّيَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الضَّمَانُ بِأَمْرِهِ وَالْأَدَاءُ بِأَمْرِهِ.

وَالثَّالِثُ: أن يضمن بغير أمره ويؤديه به بِأَمْرِهِ.

وَالرَّابِعُ: أَنْ يَضْمَنَ عَنْهُ بِأَمْرِهِ وَيُؤَدِّيَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ.

فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنْ يَضْمَنَ عَنْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، وَيُؤَدِّيَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ بِمَا أَدَّى

<<  <  ج: ص:  >  >>