للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ، الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا حَرَامٌ بِعَقْدِ النِّكَاحِ وَمِلْكِ الْيَمِينِ، كَالْجَمْعِ بَيْنَ أُخْتَيْنِ، وَهُوَ قول الجمهور، وحكي عن الخوارج وعثمان الْبَتِّيِّ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي نِكَاحٍ وَلَا مِلْكِ يَمِينٍ، وَحَرَّمَ دَاوُدُ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا فِي النِّكَاحِ دُونَ مِلْكِ الْيَمِينِ، فَأَمَّا دَاوُدُ فَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ مَعَهُ فِي الْجَمْعِ بين الْأُخْتَيْنِ، وَأَمَّا الْبَتِّيُّ وَالْخَوَارِجُ فَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ تَحْرِيمَ المناكح مأخوذ مِنْ نَصِّ الْكِتَابِ دُونَ السُّنَّةِ وَلَمْ يَرِدِ الْكِتَابُ بِذَلِكَ فَلَمْ يَحْرُمْ وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ كُلَّ مَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ كَمَا يُلْزَمُ بِمَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى إنْ هُوَ إلاَّ وَحِيٌ يُوْحَى} (النجم: ٣ و ٤) وَقَدْ جَاءَتِ السُّنَّةُ بِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا "

وَرَوَى دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا الْعَمَّةُ عَلَى بِنْتِ أَخِيهَا، وَلَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى خَالَتِهَا وَلَا الْخَالَةُ عَلَى بِنْتِ أُخْتِهَا ولا تنكح الصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى وَلَا الْكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى " وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ نَصٌّ وَالثَّانِي أَكْمَلُ، وَهُمَا وَإِنْ كَانَا خَبَرَيْ وَاحِدٍ فَقَدْ تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ وَعَمِلَ بِهِ الْجُمْهُورُ فَصَارَ بِأَخْبَارِ التَّوَاتُرِ أَشْبَهَ فلزم الخوارج العمل به، وإن لم يلتزموا أَخْبَار الْآحَادِ، وَلِأَنَّ الْأُخْتَيْنِ يَحْرَمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ إِحْدَاهُمَا لَوْ كَانَ رَجُلًا حَرُمَ عَلَيْهِ نِكَاحُ أُخْتِهِ كَذَلِكَ الْمَرْأَةُ وَخَالَتُهَا وَعَمَّتُهَا يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ إِحْدَاهُمَا رَجُلًا حَرُمَ عَلَيْهِ نِكَاحُ عَمَّتِهِ وَخَالَتِهِ.

فَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبَيْنَ بِنْتِ عَمَّتِهَا أَوْ بَيْنَهَا وبين بنت عمها فيجوز وكذلك الجمع بين المرأة وبنت خالتها أو بينهما وبين بنت خالها فَيَجُوزُ؛ لِأَنَّ إِحْدَاهُمَا لَوْ كَانَ رَجُلًا لَجَازَ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِنْتَ عَمِّهِ وَبِنْتَ عَمَّتِهِ وَبِنْتَ خاله وبنت خالته، وهذا هو أصل في تحريم الجمع وإخلاله بَيْنَ ذَوَاتِ الْأَنْسَابِ وَبِهَذَا الْمَعْنَى حَرَّمْنَا عَلَيْهِ الجمع بين المرأة وعمة أبيهما وعمة أمها وبينهما وبين خالة أبيها وخالة أمها، لأن أحدهما لَوْ كَانَ رَجُلًا حَرُمَ عَلَيْهِ نِكَاحُ الْأُخْرَى، والله أعلم.

[مسألة]

قال الشافعي: " فَإِذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا أُخْتَهَا أَوْ عَمَّتَهَا أَوْ خَالَتَهَا وَإِنْ بَعُدَتْ فَنِكَاحُهَا مفسوخُ دَخَلَ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ وَنِكَاحُ الْأُولَى ثابتٌ وتحل كل واحدةٍ منهما على الانفراد وإن نَكَحَهُمَا مَعًا فَالنِّكَاحُ مفسوخٌ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ مَنَاكِحِ ذَوَاتِ الْأَنْسَابِ يَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>