للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَسِدَادِ أَهْلِهِ فَأَمَّا فِي زَمَانِ الِاخْتِلَاطِ وَالتَّهَارُجِ وَاسْتِطَالَةِ السُّفَهَاءِ وَالْعَامَّةِ فَالْمُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَّخِذَ حَاجِبًا يَحْفَظُ هَيْبَةَ نَظَرِهِ وَيَمْنَعُ مِنِ اسْتِطَالَةِ الْخُصُومِ.

فَأَمَّا الْأَئِمَّةُ فَلَا يُكْرَهُ لَهُمُ اتِّخَاذُ الْحُجَّابِ بَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُمْ بِخِلَافِ الْقُضَاةِ لِأَنَّهُمْ يَنْظُرُونَ فِي عُمُومِ الْأُمُورِ فَاحْتَاجُوا أَنْ يُفْرِدُوا لِكُلِّ نَظَرٍ وَقْتًا يَحْرُسُهُ الْحُجَّابُ عَلَيْهِمْ وَيَمْنَعُوا مِنْ دُخُولِ أَصْنَافِ النَّاسِ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِهِمْ، وَقَدْ كَانَ يَرْفَأُ حَاجِبًا لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَاجْتَمَعَ عَلَى بَابِهِ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَسَلْمَانُ وَبِلَالٌ وَصُهَيْبٌ وَجَمَاعَةٌ مِنْ وُجُوهِ الْعَرَبِ فَأَذِنَ لِسَلْمَانَ وَبِلَالٍ وَصُهَيْبٍ فَتَمَعَّرَ وَجْهُ أَبِي سُفْيَانَ فَقَالَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو: يَا أَبَا سُفْيَانَ: إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ دُعُوا وَدُعِيتَ فَأَجَابُوا وَتَأَخَّرْتَ، وَلَئِنْ حَسَدْتَهُمُ الْيَوْمَ عَلَى بَابِ عُمَرَ لَأَنْتَ غَدًا أَشَدُّ حَسَدًا لَهُمْ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ وَلَوْلَا الْحُجَّابُ لَمَا تَمَيَّزَ هَؤُلَاءِ بِالسَّابِقَةِ وَلَا تَرَتَّبَ النَّاسُ بِحَسَبِ فَضَائِلِهِمْ وَأَقْدَارِهِمْ وَاسْتَصْعَبَ الْإِذْنُ عَلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةِ فِي خَلْوَةٍ أَرَادَهَا مَعَ عُمَرَ فَرَشَا يَرْفَأَ حَتَّى سَهَّلَ لَهُ الْإِذْنَ عَلَيْهِ، وَكَانَ يَسْأَلُ يَرْفَأَ أَنْ يُجْلِسَهُ فِي الدِّهْلِيزِ إِذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْوُصُولُ حَتَّى يَظُنَّ النَّاسُ أَنَّهُ قَدْ وَصَلَ حَتَّى تَبْدُوَ لَهُ مَنْزِلَةُ الِاخْتِصَاصِ بِعُمَرَ فَكَانَ الْمُغِيرَةُ أَوَّلَ مَنْ رَشَا وَيَرْفَأُ أَوَّلَ مَنِ ارْتَشَى فِي الْإِسْلَامِ.

وَمِنْ مِثْلِ هَذَا كُرِهَ الْحُجَّابُ لِأَنَّ الْحَاجِبَ رُبَّمَا فَعَلَ مَا لَا يَرَاهُ الْمُحْتَجِبُ وَقَدْ كَانَ الْحَسَنُ حَاجِبَ عُثْمَانَ وَقَنْبَرٌ حَاجِبَ عَلِيٍّ رَضِيَ الله عنهم.

(شروط الحاجب)

:

والشروط المعتبرة فِي هَذَا الْحَاجِبِ نَوْعَانِ: وَاجِبٌ وَمُسْتَحَبٌّ.

فَأَمَّا الْوَاجِبُ: فَثَلَاثَةٌ: الْعَدَالَةُ وَالْعِفَّةُ وَالْأَمَانَةُ.

وَأَمَّا الْمُسْتَحَبُّ: فَخَمْسَةٌ: أَنْ يَكُونَ حَسَنَ الْمَنْظَرِ جَمِيلَ الْمَخْبَرِ عَارِفًا بِمَقَادِيرِ النَّاسِ بَعِيدًا عَنِ الْهَوَى وَالْعَصَبِيَّةِ مُعْتَدِلَ الْأَخْلَاقِ بَيْنَ الشَّرَاسَةِ وَاللِّينِ.

(الْقَضَاءُ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ وَكَرَاهَةُ الْقَضَاءِ فِيهِ)

:

(مَسْأَلَةٌ)

: قَالَ الشافعي رضي الله عنه: وَأَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ لِكَثْرَةِ الْغَاشِيَةِ وَالْمُشَاتَمَةِ بَيْنَ الْخُصُومِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الْقَضَاءُ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا يُكْرَهُ فِي حَالَتَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: فِي تَغْلِيظِ الْأَيْمَانِ بِهِ إِذَا لَزِمَ تَغْلِيظُهَا بِالْمَكَانِ وَالزَّمَانِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - غَلَّظَ لِعَانَ الْعَجْلَانِيِّ فِي مَسْجِدِهِ، وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَحْضُرَ الْقَاضِي الصَّلَاةَ فَيَتَّفِقُ حُضُورُ خَصْمَيْنِ إِلَيْهِ فَلَا يُكْرَهُ لَهُ تَعْجِيلُ النَّظَرِ بَيْنَهُمَا فِيهِ قَدْ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -

<<  <  ج: ص:  >  >>