وَلَئِنْ لَمْ يَحْتَجْ مَعَ بُرُوزِهِ إِلَى الْإِذْنِ عَلَيْهِ فَمِنْ أَدَبِ الْمُتَنَازِعِينَ أَنْ لَا يُبْدَأَ بِالدَّعْوَى إِلَّا بَعْدَ إِشْعَارِهِ وَإِذْنِهِ.
فَإِنْ نَظَرَ بَيْنهمْ فِي دَارِهِ الَّتِي لَا يَدْخُلُهَا أَحَدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ جَازَ وَلَمْ يُكْرَهْ وَإِنْ قَلَّ.
رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ قَالَتِ اخْتَصَمَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رَجُلَانِ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي مَوَارِيثَ مُتَقَادِمَةٍ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَيْنَهُمَا فِي بَيْتِي وَكَانَ بَيْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُنَازَعَةٌ فَأَتَيَا زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فِي بَيْتِهِ فَقَضَى بَيْنَهُمَا وَقَالَ لِعُمَرَ لَوْ أَمَرْتَنِي لَجِئْتُ فَقَالَ عُمَرُ فِي بَيْتِهِ يُؤْتَى الْحَكَمُ.
فَإِنْ كَثُرَتِ الْمُحَاكَمَاتُ عَدَلَ عَنِ النَّظَرِ فِي دَارِهِ الَّتِي تُحْوِجُ إِلَى الِاسْتِئْذَانِ إِلَى الْمَجْلِسِ الَّذِي وَصَفْنَاهُ بِالشَّرْطَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ وَإِنْ كَانَ حُكْمُهُ نَافِذًا فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا.
(كَرَاهَةُ اتِّخَاذِ الْحَاجِبِ)
:
(مَسْأَلَةٌ)
: قال الشافعي رضي الله عنه: " لَا يَكُونُ دُونَهُ حِجَابٌ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ يُكْرَهُ لِلْقَاضِي أَنْ يَكُونَ مُحْتَجِبًا لِمَا ذَكَرْنَاهُ.
وَيُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ حَاجِبٌ عَلَى إِذْنِهِ يَكُونُ وَصُولُ الْمُتَنَازِعِينَ إِلَيْهِ مَوْقُوفًا عَلَى إِذْنِهِ.
رَوَى الْقَاسِمُ بْنُ مُخَيْمِرَةَ عَنْ أَبِي مَرْيَمَ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مَنْ وَلِيَ مِنْ أُمُورِ النَّاسِ شَيْئًا فَاحْتَجَبَ دُونَ حَاجَتِهِمْ وَفَاقَتِهِمُ احْتَجَبَ اللَّهُ دُونَ فَاقَتِهِ وَفَقْرِهِ ".
وَقَلَّدَ عُمَرُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ الْكُوفَةَ فَقَضَى فِيهَا زَمَانًا بِغَيْرِ حَاجِبٍ ثُمَّ اتَّخَذَ حَاجِبًا فَعَزَلَ عُمَرُ حَاجِبَهُ، وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا مَنَعَ الْحَاجِبُ ذَا ظُلَامَةٍ لِهَوًى، وَرُبَّمَا اسْتَعْجَلَ عَلَى الْإِذْنِ وَارْتَشَى.
فَإِنِ اتَّخَذَ حَاجِبًا فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ لَمْ يُكْرَهْ لَهُ.
بَلْ إِذَا احْتَجَبَ عَنِ النَّاسِ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ وَزَمَانِهِ كَانَ أَحْفَظَ لِحِشْمَتِهِ وَأَعْظَمَ لِهَيْبَتِهِ.
وَكَانَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَقُولُ إِنَّمَا يُكْرَهُ لِلْقَاضِي اتِّخَاذُ الْحَاجِبِ فِي زَمَانِ الِاسْتِقَامَةِ