للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيهِ شُرُوطُ الْجِهَادِ، وَلَزِمَهُ فَرْضُهُ لِأَنَّ لَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ حَقًّا.

وَإِنْ بَذَلَهُ غَيْرُ الْإِمَامِ مِنْ مَالِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَبُولُ الْمَالِ لِالْتِزَامِ الْفَرْضِ، كَمَا لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ فِي الْحَجِّ، فَإِنْ قَبِلَهُ لَزِمَهُ فَرْضُ الْجِهَادِ بَعْدَ الْقَبُولِ، وَاللَّهُ أعلم.

[(مسألة)]

: قال الشافعي: " وَلَا يُجَاهِدَ إِلَّا بِإِذْنِ أَهْلِ الدَّيْنِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ إِذَا كَانَ عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دَيْنٌ لَمْ يَخُلْ دَيْنُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا.

فَإِنْ كَانَ حَالًّا لَمْ يَخْلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُوسِرًا بِهِ أَوْ مُعْسِرًا فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا، وَلَمْ يَسْتَنِبْ فِي قَضَائِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُجَاهِدَ إِلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِ الدَّيْنِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ لِمُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ؛ لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى ".

وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ صَابِرًا مُحْتَسِبًا أَيَحْجِزُنِي عَنِ الْجَنَّةِ شَيْءٌ؟ فَقَالَ: " لَا، إِلَّا الدَّيْنُ ".

وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ: لَا، فَنَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ فَقَالَ لَهُ: " إِلَّا الدَّيْنَ " فَقَالَ لَهُ: " إِلَّا الدَّيْنَ " وَمَا حُجِزَ عَنِ الْجَنَّةِ لَمْ يُتَوَصَّلْ بِالْجِهَادِ إِلَيْهَا، وَلِأَنَّ فَرْضَ الدَّيْنِ مُتَعَيِّنٌ عَلَيْهِ، وَفَرْضَ الْجِهَادِ عَلَى الْكِفَايَةِ وَفُرُوضُ الْأَعْيَانِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى فُرُوضِ الْكِفَايَةِ، وَلِأَنَّ الْجِهَادَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، هِيَ أَوْسَعُ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، وَهِيَ أَضْيَقُ فَقَدَّمَ الْأَضْيَقَ عَلَى الْأَوْسَعِ.

وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مُعْسِرًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُجَاهِدَ إِلَّا بِإِذْنِهِ لِأَنَّهُ يَنْقَطِعُ بِالْجِهَادِ عَنِ الْكَسْبِ وَيَتَعَرَّضُ لِلشَّهَادَةِ.

وَإِنِ اسْتَنَابَ الْمُوسِرُ فِي قَضَاءِ دَيْنِهِ نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ الْمَالُ حَاضِرًا لَمْ يَلْزَمِ اسْتِئْذَانُ صَاحِبِ الدَّيْنِ عَنِ الْجِهَادِ لِأَنَّهُ كَالْمُؤَدِّي.

وَإِنْ كَانَ الْمَالُ غَائِبًا لَزِمَهُ اسْتِئْذَانُهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُجَاهِدَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ لِجَوَازِ أَنْ يُتْلِفَ الْمَالَ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَيَبْقَى عَلَى صَاحِبِهِ.

وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا فَفِي جَوَازِ جِهَادِهِ، بِغَيْرِ إِذْنِ صَاحِبِ الدَّيْنِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ أَنْ يُجَاهِدَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُسَافِرَ فِي غَيْرِ الْجِهَادِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ أَنْ يُجَاهِدَ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يُسَافِرَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، لِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>