الشُّفْعَةُ وَكَانَ مِنْ فَرْقِهِ بَيْنَ الْفَلَسِ وَالشُّفْعَةِ أَنَّ الشَّفِيعَ فِي الشُّفْعَةِ يَحُلُّ مَحَلَّ الْمُشْتَرِي فَلَمَّا كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ لَزِمَهُ الثَّمَنُ فِي مُقَابَلَةِ جَمِيعِ الْمَبِيعِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَلْتَزِمَ الشَّفِيعُ الثَّمَنَ كُلَّهُ فِي مُقَابَلَةِ بَعْضِ الْمَبِيعِ وَالْبَائِعُ فِي الْفَلَسِ لَا يَحُلُّ مَحَلَّ الْمُشْتَرِي وَإِنَّمَا يَقْطَعُ الْعَقْدَ الْمُتَقَدِّمَ لِمَا لَحِقَهُ مِنَ الضَّرَرِ الْمُسْتَحْدَثِ فَلِذَلِكَ زَالَ بِقَطْعِ الْعَقْدِ جَمِيعُ الثَّمَنِ.
وَالطَّرِيقَةُ الرَّابِعَةُ: وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ: أَنَّ اخْتِلَافَ الرِّوَايَتَيْنِ مَحْمُولٌ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ فَرِوَايَةُ الْمُزَنِيِّ وَحَرْمَلَةَ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِكُلِّ الثَّمَنِ فِي الشُّفْعَةِ وَالْفَلَسِ إِذَا كَانَتِ الْآلَةُ بعد الهدم باقية لأن للنقص آثار غَيْرَ مُتَمَيِّزَةٍ كَالْعَوَرِ وَالْهُزَالِ وَرِوَايَةُ الرَّبِيعِ وَالْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِحِسَابِهِ وَقِسْطِهِ مِنَ الثَّمَنِ فِي الشُّفْعَةِ وَالْفَلَسِ إِذَا كَانَتِ الْآلَةُ بَعْدَ الْهَدْمِ تَالِفَةً لِأَنَّهُ نَقْصٌ مُمَيَّزٌ وَقَدْ تَلِفَ بَعْضُ التميز أتلف بَعْض الْمَبِيعِ كَمَوْتِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ وَتَلَفِ أَحَدِ الثَّوْبَيْنِ.
(فَصْلٌ)
فَأَمَّا إِذَا كَانَ الْمَبِيعُ قَدْ زَادَ فَالزِّيَادَةُ ضَرْبَانِ مُتَمَيِّزَةٌ وَغَيْرُ مُتَمَيِّزَةٍ فَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُتَمَيِّزَةً كَالنِّتَاجِ وَالثَّمَرَةِ فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي وَلِلْبَائِعِ أَنْ يَرْجِعَ بِالْأَصْلِ دُونَ الزِّيَادَةِ لِأَنَّ مِنْ حُكْمِ الزِّيَادَةِ الْمُتَمَيِّزَةِ أَنْ تَتْبَعَ الْمِلْكَ دُونَ الْمَالِكِ أَلَا تَرَى أَنَّ رَدَّ الْأَصْلِ بِالْعَيْبِ لَا يُوجِبُ رَدَّ زِيَادَتِهِ الْمُتَمَيِّزَةِ كَذَلِكَ فِي الْفَلَسِ فَإِنْ كَانَتِ الزِّيَادَةُ غَيْرَ مُمَيَّزَةٍ كَالطُّولِ وَالسِّمَنِ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَرْجِعَ بِالْأَصْلِ زَائِدًا لِأَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُتَّصِلَةَ مِنْ حُكْمِهِمَا أَنْ تَتْبَعَ الْمِلْكَ دُونَ الْمَالِكِ أَلَا تَرَى أَنَّ رَدَّ الْأَصْلِ بِالْعَيْبِ يُوجِبُ رَدَّ زِيَادَتِهِ الْمُتَّصِلَةِ بِهِ، فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ الصَّدَاقُ إِذَا زَادَ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً غَيْرَ مُتَمَيِّزَةٍ مُنِعَ الزَّوْجُ إِذَا طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِ الصَّدَاقِ زَائِدًا وَرَجَعَ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ لِحُدُوثِ الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ عَلَى مِلْكِ الزَّوْجَةِ فَهَلَّا كَانَ فِي الْفَلَسِ كَذَلِكَ؟ قِيلَ: قَدْ كَانَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ يُسَوِّي بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ وَيَقُولُ: إِنَّمَا رَجَعَ الْبَائِعُ بِعَيْنِ مَالِهِ زَائِدًا فِي الْفَلَسِ لِتَعَذُّرِ الْبَذْلِ عَلَيْهِ وَإِعْوَازِهِ بِالْفَلَسِ وَالزَّوْجُ لَمَّا لَمْ يَتَعَذَّرْ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ بِبَذْلِ الصَّدَاقِ لَمْ يَرْجِعْ بِنِصْفِ الصَّدَاقِ زَائِدًا وَلَوْ تَعَذَّرَ بَذْلُ الصَّدَاقِ مِنْ جِهَتِهَا بِحُدُوثِ فَلَسِهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِ الصَّدَاقِ زَائِدًا فَاسْتَوَى الْحُكْمُ فِيهِمَا مَعَ الْيَسَارِ فِي الْعُدُولِ عَنِ الْعَيْنِ فِي الْفَلَسِ فِي الرُّجُوعِ بِزِيَادَةِ الْعَيْنِ. وَفَرَّقَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ، فَكَانَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْفَلَسِ وَالصَّدَاقِ: بِأَنَّ الصَّدَاقَ لَمَّا كَانَ لَوْ تَلِفَ رَجَعَ الزَّوْجُ إِلَى قِيمَتِهِ الَّتِي لَا تَزِيدُ عَلَى الصَّدَاقِ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَرْجِعَ مَعَ الْبَقَاءِ بِزِيَادَةِ الصَّدَاقِ وَلَمَّا كَانَ المبيع لَوْ تَلِفَ رَجَعَ الزَّوْجُ إِلَى قِيمَتِهِ الَّتِي لَا تَزِيدُ عَلَى الصَّدَاقِ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَرْجِعَ مَعَ الْبَقَاءِ بِزِيَادَةِ الصَّدَاقِ وَلَمَّا كَانَ الْمَبِيعُ لَوْ تَلِفَ رَجَعَ الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ الَّذِي قَدْ يَزِيدُ عَلَى قِيمَةِ الْمَبِيعِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ مَعَ الْبَقَاءِ بِزِيَادَةِ الْمَبِيعِ. وَكَانَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا بفرق ثاني فَيَقُولُ: إِنَّمَا لَمْ يَرْجِعِ الزَّوْجُ بِزِيَادَةِ الصَّدَاقِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقٌّ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَلَا تَعَلَّقَ بِالصَّدَاقِ وَإِنَّمَا اسْتُحْدِثَ الْحَقُّ بِالطَّلَاقِ بَعْدَ حُدُوثِ الزِّيَادَةِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ حَقٌّ فِي الزِّيَادَةِ، وَفِي الْفَلَسِ لَمَّا كَانَ حَقُّ البائع
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute