للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَتْ ضُبَاعَةُ بِنْتُ الزُّبَيْرِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، إِنِّي امْرَأَةٌ ثقيلةٌ، وَإِنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ، فَقَالَ: أَهِلِّي وَاشْتَرِطِي أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي.

وَأَمَّا الْمَوْقُوفُ فَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَتْ لِي عائشة رضي الله عنها: هل تثتثني إِذَا حَجَجْتَ؟ قُلْتُ لَهَا: مَاذَا أَقُولُ؟ فَقَالَتْ: قُلِ اللَّهُمَّ الْحَجَّ أَرَدْتُ، وَلَهُ عَمَدْتُ، فَإِنْ يَسَّرْتَهُ لِي فَهُوَ الْحَجُّ، وَإِنْ حَبَسَنِي حابسٌ فَهِيَ عمرةٌ، فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا، فَكَانَ بَعْضُهُمْ يُخَرِّجُ انْعِقَادَ الشَّرْطِ وَجَوَازَ الْإِحْلَالِ بِهِ، عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مُنْعَقِدٌ بِهِ، وَالْعَمَلُ بِهِ جَائِزٌ؛ لِمَا رُوِيَ فِيهِ مِنَ الْأَخْبَارِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ، وَالْعَمَلُ بِهِ غَيْرُ جَائِزٍ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وأَتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمْرَةَ للهِ) {البقرة: ١٩٦) ، وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا: الشَّرْطُ مُنْعَقِدٌ قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ فِي الْجَدِيدِ تَوَقَّفَ عَنِ الْعَمَلِ بِهِ؛ لِأَجْلِ الْحَدِيثِ وَصِحَّتِهِ، وَقَدْ صَحَّحَهُ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ، فَلِذَلِكَ انْعَقَدَ الشَّرْطُ قَوْلًا وَاحِدًا وَجَازَ الْعَمَلُ بِهِ، فَعَلَى هَذَا لَا يَنْعَقِدُ الشَّرْطُ حَتَّى يَكُونَ مُقْتَرِنًا بِإِحْرَامِهِ، فَإِنْ شَرَطَ قَبْلَ إِحْرَامِهِ أَوْ بَعْدَهُ لَمْ يَنْعَقِدِ الشَّرْطُ، وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ مُقْتَرِنًا بِإِحْرَامِهِ، فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ فِيهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ.

وَالثَّانِي: أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ.

فَإِنْ كَانَ فِيهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: إن حبسني مرض، أو انقطعت بي نفقة، أَحْلَلْتُ، أَوْ أَنَا حَلَالٌ، أَوْ يَشْتَرِطُ فَيَقُولُ: إِنْ أَخْطَأْتُ الْعَدَدَ، أَوْ ضَلَلْتُ عَنِ الطَّرِيقِ، أَوْ عَاقَنِي عَائِقٌ، فَفَاتَنِي الْحَجُّ، كَانَ حَجِّي عُمْرَةً، فَهَذِهِ الشُّرُوطُ كُلُّهَا مُنْعَقِدَةٌ؛ لِمَا فِيهَا مِنَ الْغَرَضِ الصَّحِيحِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الشُّرُوطِ غَرَضٌ صَحِيحٌ، مِثْلَ قَوْلِهِ أَنَا مُحْرِمٌ بِحَجٍّ، فَإِنْ أَحْبَبْتُ الْخُرُوجَ مِنْهُ خَرَجْتُ، وَإِنْ لَمْ يُسَاعِدْنِي زَيْدٌ قَعَدْتُ، فَهَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ مِنَ الشُّرُوطِ فَاسِدَةٌ، لَا تَنْعَقِدُ، وَلَا يَجُوزُ الْإِحْلَالُ بِهَا.

فَصْلٌ

: فَإِذَا ثَبَتَ انْعِقَادُ الشَّرْطِ فِي الْإِحْرَامِ عَلَى الْوَصْفِ الَّذِي شَاءَ، فَهَلْ يَصِيرُ حَلَالًا بِنَفْسِ الشَّرْطِ إِذَا وُجِدَ أَمْ لَا يَصِيرُ حَلَالًا حَتَّى يَنْوِيَ التَّحَلُّلَ فَيَنْظُرَ فِي الشَّرْطِ فَإِنْ كَانَ قَالَ: إِنْ حَبَسَنِي مَرَضٌ تَحَلَّلْتُ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ حَلَالًا بِوُجُودِ الْمَرَضِ حَتَّى يَنْوِيَ التَّحَلُّلَ وَالْخُرُوجَ مِنْ إِحْرَامِهِ، وَإِنْ كَانَ قَالَ: إِنْ حَبَسَنِي مَرَضٌ فَأَنَا حَلَالٌ، فَفِيهِ وَجْهَانِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>