للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ مَا يَحِلُّ مِنَ الْحَرَائِرِ وَيَحْرُمُ وَلَا يتسرى العبد وغير ذلك مِنَ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ وَكِتَابِ ابْنِ أبي ليلى، والرجل يقتل أمته ولها زوج

قال الشافعي: " انتهى الله تعالى بِالْحَرَائِرِ إِلَى أربعٍ تَحْرِيمًا لِئَلَّا يَجْمَعَ أحدٌ غير النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ.

أَكْثَرُ مَا يَحِلُّ لِلْحُرِّ نِكَاحُ أَرْبَعٍ لَا يَجُوزُ لَهُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِنَّ وَهُوَ قَوْلُ سَائِرِ الْفُقَهَاءِ، وَحُكِيَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ إبراهيم ومن نسب إلى مقالته ما القاسمية وطائفة من الزائدية أنه يحل له نِكَاحُ تِسْعٍ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثَلاثَ وَرُبَاعَ} (النساء: ٣) بِوَاوِ الْجَمْعِ، وَالْمَثْنَى مُبْدَلٌ مِنِ اثْنَيْنِ، وَالثُّلَاثُ مُبْدَلٌ مِنْ ثَلَاثٍ، وَالرُّبَاعُ مُبْدَلٌ مِنْ أَرْبَعٍ فَصَارَ مَجْمُوعُ الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثِ وَالْأَرْبَعِ تِسْعًا، وَلِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَاتَ عَنْ تِسْعٍ وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) {الأحزاب: ٢١) . ولأنه لما سَاوَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " سائر أمته فيما يستبحه مِنَ الْإِمَاءِ وَجَبَ أَنْ يُسَاوِيَهُمْ فِي حَرَائِرِ النِّسَاءِ ".

وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ} (النساء: ٣) . وفيه دليلان:

أحدهما: أنه مَا خَرَجَ هَذَا الْمَخْرَجَ مِنَ الْأَعْدَادِ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ أَفْرَادَهَا دُونَ مَجْمُوعِهَا لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي صِفَةِ الْمَلَائِكَةِ: {أُولِي أجْنحَةٍ مَثْنَى وَثَلاث وَرُباع) {فاطر: ١) . أفْرَادَ هَذِهِ الْأَعْدَادِ، وَأن مِنْهُمْ مَنْ لَهُ جناح، وإن منهم من له جناحان، ومنهم مَنْ لَهُ ثَلَاثَةٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ أَرْبَعَةٌ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي عَدَدِ النِّكَاحِ كَذَلِكَ.

وَالثَّانِي: أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ أَجْمَعُوا فِيمَنْ قَالَ: قد جَاءَنِي النَّاسُ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ أَنَّ مَفْهُومَ كلامه أنهم جاءوا على أفْرَادِ هَذِهِ الْأَعْدَادِ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ وَثَلَاثَةً ثَلَاثَةً وأربعة أربعة ولم يرد بمجموعها تسعة، فكذلك مَفْهُومُ الْآيَةِ.

وَالدَّلِيلُ الثَّانِي: من الْآيَةِ أَنَّ " الْوَاوَ " الَّتِي فِيهَا لَيْسَتْ وَاوَ جَمْعٍ وَإِنَّمَا هِيَ وَاوُ تَخْيِيرٍ بِمَعْنَى أَوْ، وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ مَثْنَى أَوْ ثُلَاثَ أَوْ رُبَاعَ وَإِنَّمَا كَانَ كذلك لأمرين:

أحدهما: أن ذكر التسعة بلفظهما أَبْلَغُ فِي الِاخْتِصَارِ وَأَقْرَبُ إِلَى الإفهام مِنْ ذِكْرِهَا بِهَذَا الْعَدَدِ الْمُشَكَلِ الَّذِي لَا يُفِيدُ تفريقه.

<<  <  ج: ص:  >  >>