عَنْ أَبِيكَ وَاعْتَمِرْ فَأَوْجَبَ عَلَيْهِ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ عَنْ أَبِيهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ عَنْ أَبِيهِ إِلَّا بِبَذْلِ الطَّاعَةِ لَهُ، فَإِنْ قِيلَ: فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَبُ موسراُ فَلَزِمَهُ الْفَرْضُ بِيَسَارِهِ، لَا بِابْنِهِ قِيلَ الْفَرْضُ بِالْيَسَارِ، لَا يَتَوَجَّهُ إِلَى الِابْنِ وَإِنَّمَا يَتَوَجَّهُ إِلَى الْأَبِ وَرَوَى ابْنُ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ إِنَّ أُمِّي أَسْلَمَتْ وَهِيَ كبيرةٌ لَا تَسْتَمْسِكُ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهَا وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَزِمَهُ الْحَجُّ نَذْرًا جَازَ أَنْ يَلْزَمَهُ الْحَجُّ فَرْضًا كَالْمَعْضُوبِ الْمُوسِرِ، وَلِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى فِعْلِ الْحَجِّ عَنْ نَفْسِهِ فَوَجَبَ، أَنْ يَلْزَمَهُ فَرْضُهُ كَالْقَادِرِ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ، فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " السَّبِيلُ زادٌ وراحلةٌ " فَالْمُرَادُ بِهِ مَنِ اسْتَطَاعَ زَادًا وَرَاحِلَةً، وَهُوَ بِطَاعَةِ الْغَيْرِ لَهُ مُسْتَطِيعٌ، وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الصَّلَاةِ فَنَقُولُ بِمُوجَبِهِ لِأَنَّهُمْ قَالُوا فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ بِبَذْلِ الطَّاعَةِ، وَنَحْنُ نقول لا يلزمه بذل الطَّاعَةِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ بِالِاسْتِطَاعَةِ، عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ مِمَّا لَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِبَادَاتِ ضَرْبَانِ فَبَاطِلٌ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ لِأَنَّهَا مِنْ عِبَادَاتِ الْأَبْدَانِ، ثُمَّ تَجِبُ على الغير، وتبطل أيضاً بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ.
فَصْلٌ
: فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْحَجَّ لَهُ لَازِمٌ بِبَذْلِ الطَّاعَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مُعْتَبَرٌ بِأَرْبَعِ شَرَائِطَ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الْبَاذِلُ مِنْ أَهْلِ الْحَجِّ فَيَجْمَعُ الْبُلُوغَ وَالْحُرِّيَّةَ وَالْإِسْلَامَ، لِأَنَّ مَنْ لَا يَصِحُّ مِنْهُ أَدَاءُ الْحَجِّ عَنْ نَفْسِهِ لَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهِ عَنْ غَيْرِهِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ قَدْ أَدَّى فَرْضَ الْحَجِّ عَنْ نَفْسِهِ لِتَصِحَّ النِّيَابَةُ عَنْ غَيْرِهِ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ وَاجِدًا لِلزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ ذَلِكَ مُعْتَبَرًا فِي الْمَبْذُولِ لَهُ كَانَ اعْتِبَارُهُ فِي الْبَاذِلِ أَوْلَى إِذْ لَيْسَ حَالُ الْبَاذِلِ أَوْكَدَ مِنَ الْتِزَامِ الْفَرْضِ مِنَ الْمَبْذُولِ لَهُ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ لَمْ يَعْتَبِرْ هَذَا الشَّرْطَ فِي بَلَدِهِ لِلطَّاعَةِ، وَإِنِ اعْتَبَرَهُ فِي فَرْضِ نَفْسِهِ، لِأَنَّ الْتِزَامَ الطَّاعَةِ بِاخْتِيَارِهِ، فَصَارَ كَحَجِّ النَّذْرِ، وَخَالَفَ بِهِمَا ابْتِدَاءً الْفَرْضَ.
وَالرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ الْمَبْذُولُ لَهُ وَاثِقًا بِطَاعَةِ الْبَاذِلِ، عَالِمًا أَنَّهُ مَتَى أَمَرَهُ بِالْحَجِّ امْتَثَلَ أَمْرَهُ، لِأَنَّ قُدْرَةَ الْبَاذِلِ قَدْ أُقِيمَتْ مَقَامَ قُدْرَتِهِ فَافْتَقَرَ إِلَى الثِّقَةِ بِطَاعَتِهِ، فَأَمَّا إِنْ كَانَ ذَلِكَ عَرَضًا لَا يُوثَقُ بِهِ فَلَا يَلْزَمُ، فَإِذَا اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الشَّرَائِطُ الْأَرْبَعَةُ نُظِرَ حِينَئِذٍ فِي الْبَاذِلِ فَإِنْ كَانَ مِنْ وَالِدَيْهِ أَبًا أَوْ أُمًّا أَوْ مَوْلُودٍ بِهِ ابْنًا أَوْ بِنْتًا فَقَدْ لَزِمَهُ الْفَرْضُ بِبَذْلِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ وَلَدٍ وَلَا وَالِدٍ فَفِي لُزُومِ الْفَرْضِ بِبَذْلِهِ وَجْهَانِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute