فَصْلٌ:
فَإِذَا ثَبَتَ مَا وَصَفْنَا مِنْ أَمْوَالِ الْأَيْتَامِ مِنْ بَيْعِ الْمَتَاعِ وَشِرَائِهِ لِلتِّجَارَةِ وَمِنْ بَيْعِ الْعَقَارِ فِي الْغِبْطَةِ وَالْحَاجَةِ وَشِرَائِهِ للقنْية فَلَا يَخْلُو حَالُ الْوَلِيِّ الْمُتَوَلِّي ذَلِكَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
إِمَّا أَنْ تَكُونَ وِلَايَتُهُ بِأُبُوَّةٍ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ بِوَصِيَّةٍ وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ بِتَوْلِيَةِ حَاكِمٍ عَنْ أَمَانَةٍ.
فَإِنْ كَانَتْ وِلَايَتُهُ بالأبوة كالآباء والأجداد الذي يَلُونَ بِأَنْفُسِهِمْ عَلَى أَوْلَادِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ فَعُقُودُهُمْ فِي أَمْوَالِ أَوْلَادِهِمْ مَاضِيَةٌ، وَعَلَى الْقُضَاةِ وَالْحُكَّامِ إِنْفَاذُهَا مِنْ غَيْرِ تَكْلِيفِهِمْ بَيِّنَةً لِحُصُولِ الْحَظِّ فِيمَا عَقَدُوهُ لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ مِنْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ، إِلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ مَا عَقَدَهُ الْأَبُ فِي مَالِ ابْنِهِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ لَمْ يَكُنْ حَظًّا فَيُبْطِلُهُ حِينَئِذٍ، فَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ فَفِعْلُهُ مَاضٍ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ، وَقَوْلُهُ فِيمَا أَنْفَقَ مَقْبُولٌ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ مَا لَمْ يُجَاوِزِ الْحَدَّ لِانْتِفَاءِ التُّهَمِ عَنِ الْآبَاءِ لِمَا جُبِلُوا عَلَيْهِ مِنَ الْمَيْلِ إِلَى أَوْلَادِهِمْ وَطَلَبِ الْحَظِّ الْأَوْفَى فِي تَثْمِيرِ أَمْوَالِهِمْ.
فَأَمَّا الْأَوْصِيَاءُ وَأُمَنَاءُ الْحُكَّامِ فَمَا فَعَلُوهُ فِي أَمْوَالِ الْأَيْتَامِ يَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ تُقْبَلُ فِيهِ أَقْوَالُهُمْ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ بِأَنَّ فِيهِ حَظًّا لَهُمْ إِلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِخِلَافِهِ وَهُوَ التِّجَارَةُ لَهُمْ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَلَا يُكَلَّفُوا فِيمَا بَاعُوهُ وَاشْتَرَوْهُ مِنَ الْأَمْتِعَةِ وَالْعَرُوضِ إِثْبَاتُ الْبَيِّنَةِ لِحُصُولِ الْحَظِّ فِيهِ، بَلْ عَلَى الْحُكَّامِ إِمْضَاؤُهُ بِقَوْلِهِمْ إِنَّهُ حَظٌّ مَا لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِخِلَافِهِ لِأَنَّهَا عُقُودٌ يَعْسُرُ إِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بِحُصُولِ الْحَظِّ فِي كُلِّ عَقْدٍ مِنْهَا اعْتِبَارًا بِالْمُضَارَبَةِ فِي قَبُولِ قَوْلِ الْعَامِلِ فِي صِحَّةِ مَا عَقَدَهُ مِنْ بَيْعٍ وَشِرَاءٍ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ يُكَلَّفُهَا. فَهَذَا أَحَدُ الْأَقْسَامِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: مَا لَا يُقْبَلُ فِيهِ أَقْوَالُهُمْ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ وَهُوَ مَا بَاعُوهُ عَلَى الْأَيْتَامِ مِنْ أَرْضٍ أَوْ عَقَارٍ فَلَا يَجُوزُ لِلْحُكَّامِ إِمْضَاءُ الْعَقْدِ فِيهِ إِلَّا بِقِيَامِ الْبَيِّنَةِ أَنَّ بَيْعَ ذَلِكَ حَظٌّ لِوُجُودِ الْغِبْطَةِ أَوْ حُدُوثِ الْحَاجَةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي بَيْعِ ذَلِكَ عَلَى الْأَيْتَامِ الْحَظْرُ وَالْمَنْعُ إِلَّا عِنْدَ تَحَقُّقِ السَّبَبِ الْمُبِيحِ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا اخْتُلِفَ فِيهِ وَهُوَ مَا ابْتَاعُوهُ لِلْأَيْتَامِ مِنْ عَقَارٍ فَبَنُوهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ قَوْلَهُمْ مَقْبُولٌ فِيهِ، وَعَلَى الْحُكَّامِ إِمْضَاؤُهُ مِنْ غَيْرِ تَكْلِيفِ بَيِّنَةٍ إِلَّا أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَهُمْ بَيِّنَةٌ بِخِلَافِهِ كَمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمْ فِي أَمْوَالِ التِّجَارَاتِ وَكَمَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْآبَاءِ فِي الْبِيَاعَاتِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُمْ غَيْرُ مَقْبُولٍ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ تُثْبِتُ بِأَنَّ مَا ابْتَاعُوهُ لِلْأَيْتَامِ حَظٌّ فَإِذَا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ عِنْدَ الْحُكَّامِ وَجَبَ عَلَيْهِمْ إِمْضَاؤُهُ، وَمَا لَمْ تَقُمْ بِهِ الْبَيِّنَةُ لَمْ يُمْضُوهُ. كَمَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمْ فِي الْبَيْعِ وَإِنْ قُبِلَ فِيهِ قَوْلُ الْآبَاءِ لِأَنَّ التُّهْمَةَ تَلْحَقُهُمْ دُونَ الْآبَاءِ، وَلِأَنَّ إِقَامَةَ الْبَيِّنَةِ بِذَلِكَ لَا يشُقُّ عَلَيْهِمْ. وَاللَّهُ أعلم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute