لَهُ أَنْ يَزْرَعَهَا مَا يَضُرُّ بِهَا أَكْثَرَ مِنْ ضَرَرِ الْبُرِّ، وَلَهُ أَنْ يَزْرَعَهَا مَا يَضُرُّ بِهَا مِثْلَ ضَرَرِ الْبُرِّ وَمَا هُوَ أَقَلُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ)
: وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَخْرُجُوا مَعَهُ بِجَعَالَةٍ يَبْذُلُهَا، فَيَقُولُ: مَنْ غَزَا مَعِي فَلَهُ دِينَارٌ.
قِيلَ: يَجُوزُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ لِأَنَّهُ يَجُوزُ فِي خُصُوصِ الْحُقُوقِ فَكَانَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ فِي عُمُومِ الْمَصَالِحِ، وَلِلْإِمَامِ فِي بَذْلِ الْجَعَالَةِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَجْعَلَهَا لِأَهْلِ الذِّمَّةِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَتَخْتَصُّ بِهِمْ دُونَ الْمُسْلِمِينَ وَيَسْتَحِقُّهَا مَنْ غَزَا مَعَهُمْ مِنْ رِجَالِهِمْ دُونَ نِسَائِهِمْ؛ لِأَنَّ الْغَزْوَ مُتَوَجِّهٌ إِلَى أَهْلِهِ وَهُمُ الرِّجَالُ دُونَ النِّسَاءِ
وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: مَنْ قَاتَلَ مَعِي فَلَهُ دِينَارٌ اسْتَحَقَّهُ مَنْ قَاتَلَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ؛ لِأَنَّ الْغَزْوَ حُكْمٌ فَتَوَجَّهَ إِلَى أَهْلِهِ، وَالْقِتَالَ فِعْلٌ فَتَوَجَّهَ إِلَى مَنْ وَجَدَ مِنْهُ، وَلَمْ يَسْتَحِقَّهُ الصِّبْيَانُ فِي الْحَالَيْنِ؛ لِأَنَّ الْجَعَالَةَ عَقْدٌ فَلَمْ تَصِحَّ إِلَّا مَعَ أَهْلِ الْعُقُودِ.
فَأَمَّا عَبِيدُهُمْ فَإِنْ أُذِنَ لَهُمْ دَخَلُوا فِي الْجَعَالَةِ وَاسْتَحَقُّوهَا وَإِنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُمْ لَمْ يَدْخُلُوا فِيهَا.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَبْذُلَهَا لِلْمُسْلِمِينَ فَتَخْتَصَّ بِهِمْ دُونَ الْمُشْرِكِينَ، وَيَسْتَحِقُّهَا مَنْ غَزَا مَعَهُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْفَيْءِ، وَلَا يَسْتَحِقُّهَا أَهْلُ الْفَيْءِ لِأَنَّ غَزْوَ أَهِلِ الْفَيْءِ مَعَهُ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ الْجَعَالَةِ، وَهُوَ مَا يَأْخُذُونَهُ مِنْ دِيوَانِ الْعَطَاءِ فَلَمْ يَجْمَعُوا فِيهِ بَيْنَ حَقَّيْنِ، وَالْكَلَامُ فِي دُخُولِ النساء والعبيد على ما معنى.
وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ تَعُمَّ الْجَعَالَةُ وَلَا تَخُصَّ فَيَدْخُلُ فِيهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْفَيْءِ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهَا أَهْلُ الْفَيْءِ وَيَدْخُلُ فِيهَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهَا أَهْلُ الْعَهْدِ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ تَجْرِي عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ دُونَ الْمُعَاهَدِينَ، وَيَكُونُ الْحُكْمُ فِي النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْعَبِيدِ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، فإذا استقر حكمها على ما معنى ملاحق فِيهَا لِمَنْ لَمْ يَشْهَدِ الْوَقْعَةَ سَوَاءٌ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ، بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْجَعَالَةَ تُسْتَحَقُّ عَلَى كَمَالِ الْعَمَلِ وَالْإِجَارَةَ تَتَقَسَّطُ عَلَى أَجْزَائه فَإِنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ نُظِرَ فِي لَفْظِ الْجَعَالَةِ، فَإِنْ قَالَ: مَنْ غَزَا مَعِي، فَلَهُ دِينَارٌ اسْتَحَقَّهُ بِحُضُورِ الْوَقْعَةِ سَوَاءٌ قَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ، وَإِنْ قَالَ: مَنْ قَاتَلَ، فَلَهُ دِينَارٌ لَمْ يَسْتَحِقَّهُ إِلَّا مَنْ قَاتَلَ دُونَ مَنْ لَمْ يُقَاتِلْ، ثُمَّ يُنْظَرُ فِي مُسْتَحِقِّهِ فَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا جَازَ أَنْ تَزِيدَ الْجَعَالَةُ عَلَى سِهَامِ الْغَانِمِينَ، وَيُسْهَمَ لِمُسْتَحَقِّهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ كَانَ مُشْرِكًا، فَعَلَى قَوْلِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَسْتَحِقُّهَا إِنْ لَمْ تَبْلُغْ سَهْمَ فَارِسٍ وَلَا رَاجِلٍ عَلَى الوجه.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute