مِنْهُ جَبْرًا؛ لِأَنَّهُ مُتَعَيِّنٌ عَلَيْهِ. وَقِتَالَ الْمُسْلِمِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ عَلَى وَجْهِ الْكِفَايَةِ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ، وَلَا تَمْنَعُ جَهَالَةُ الْقِتَالِ وَجَهَالَةُ مُدَّتِهِ مِنْ جَوَازِ الْإِجَارَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عُمُومِ الْمَصَالِحِ فَجَازَ فِيهِ مِنَ الْجَهَالَةِ مَا لَمْ يَجُزْ فِي الْعُقُودِ الْخَاصَّةِ.
فَإِنْ حَضَرُوا وَلَمْ يُقَاتِلُوا، نُظِرَ فِيهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ الْقِتَالُ لِانْهِزَامِ الْعَدُوِّ اسْتَحَقُّوا الْأُجْرَةَ لِأَنَّهُمْ قَدْ بَذَلُوا أَنْفُسَهُمْ لِمَا اسْتُؤْجِرُوا عَلَيْهِ فَصَارُوا كَمَنْ أَجَّرَ نَفْسَهُ لِلْخِدْمَةِ فَلَمْ يُسْتَخْدَمْ أَوْ أَجَّرَ دَارًا فَسَلَّمَهَا وَلَمْ تُسْكَنْ.
وَإِنْ أَمْكَنَ الْقِتَالُ فَلَمْ يُقَاتِلُوا مَعَ الْحَاجَةِ إِلَى قِتَالِهِمْ رُدَّ مِنَ الْأُجْرَةِ بِالْقِسْطِ مِمَّا تَتَقَسَّطُ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ، وَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا تَتَقَسَّطُ عَلَى الْمَسَافَةِ مِنْ بَلَدِ الْإِجَارَةِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، إِلَى مَوْضِعِ الوُقْعَةِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ، وَعَلَى الْقِتَالِ فِيهَا لِأَنَّهَا إِجَارَةٌ عَلَى مَسَافَةٍ وَعَمَلٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا تَتَقَسَّطُ عَلَى مَسَافَةِ مَسِيرِهِ مِنْ بِلَادِ الْحَرْبِ إِلَى مَوْضِعِ الْوَقْعَةِ وَعَلَى الْقِتَالِ فِيهَا، وَلَا تَتَقَسَّطُ عَلَى مَسَافَةِ مَسِيرِهِ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسَافَتَيْنِ أَنَّ مَسِيرَهُ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ سَبَبٌ يَتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِهَا فَلَمْ تَتَقَسَّطْ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ، وَمَسِيرَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ شُرُوعٌ في العمل المستحق عليه، لأنه كُلُّ مَوْضِعٍ فِي دَارِ الْحَرْبِ مَحَلٌّ لِقِتَالِ أَهْلِهِ، فَتُقَسَّطُ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى اخْتِلَافِ الْوَجْهَيْنِ فِي مَسَافَةِ الْحَجِّ هَلْ تَتَقَسَّطُ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمُعَلِّمِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ فَإِنْ صَالَحَ الْإِمَامُ أَهْلَ الثَّغْرِ الَّذِينَ اسْتَأْجَرَهُمْ لِلْغَزْوِ إِلَيْهِ نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ بَعْدَ دُخُولِهِ بِهِمْ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَسْتَرْجِعْ مِنْهُمُ الْأُجْرَةَ لِأَنَّ مَسِيرَهُمْ قَدْ أَثَّرَ فِي الرَّهْبَةِ الْمُفْضِيَةِ إِلَى الصُّلْحِ، وَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ قَبْلَ مَسِيرِهِ بِهِمْ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ اسْتَرْجَعَ مِنْهُمْ جَمِيعَ الْأُجْرَةِ، وَكَانَ هَذَا عُذْرًا بِجَوَازِ أَنْ يَفْسَخَ بِهِ مَا تَعَلَّقَ بِعُمُومِ الْمَصَالِحِ مِنَ الْإِجَارَةِ وَإِنْ سُلِّمَ تُفْسَخُ بِمِثْلِهِ الْعُقُودُ الْخَاصَّةُ.
وَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ بَعْدَ مَسِيرِهِ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَقَبْلَ دُخُولِهِ إِلَى أَرْضِ الْحَرْبِ فَفِي اسْتِحْقَاقِهِمْ مِنَ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ الْمَسَافَةِ وَجْهَانِ مِنَ الْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يَسْتَحِقُّ بِهِ إِذَا قِيلَ: إِنَّ الْأُجْرَةَ تَتَقَسَّطُ عَلَيْهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ إِذَا قِيلَ إِنَّ الْأُجْرَةَ لَا تَتَقَسَّطُ عَلَيْهِ.
وَلَوِ اسْتَأْجَرَهُمْ لِلْغَزْوِ إِلَى ثَغْرٍ فَأَرَادَ أَنْ يَعْدِلَ بِهِمْ إِلَى غَيْرِهِ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِ عُذْرٍ نُظِرَ فَإِنْ كَانَتْ مَسَافَةُ الثَّغْرِ الثَّانِيِ أَبْعَدَ، وَكَانَ طَرِيقُهُ أَوْعَرَ، وَكَانَ أَهْلُهُ أَشْجَعَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ مِثْلَ الْأَوَّلِ أَوْ أَسْهَلَ كَانَ لَهُ ذَلِكَ كَمَنِ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِيَزْرَعَهَا برا فليس