للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعِتْقِ بِالتَّدْبِيرِ، لأن مَحَلَّ التَّدْبِيرِ فِي الثُّلُثِ وَالدَّيْنُ مِنْ رَأْسِ المال وبما وَجَبَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ أَحَقُّ بِالتَّقْدِيمِ مِمَّا وَجَبَ فِي الثُّلُثِ.

فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُحِيطًا بِجَمِيعِ قِيمَتِهِ بِيعَ جَمِيعُهُ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ وَلَمْ يُعْتَقْ شَيْءٌ مِنْهُ بِالتَّدْبِيرِ. وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ بِيعَ مِنْهُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَعَتَقَ مِنَ الْبَاقِي بِالتَّدْبِيرِ قَدْرُ مَا احْتَمَلَهُ الثُّلُثُ.

(فَصْلٌ)

فَأَمَّا إِذَا رَهَنَ عَبْدًا غَيْرَ مُدَبَّرٍ، ثُمَّ دَبَّرَهُ صَحَّ تَدْبِيرُهُ وَلَمْ يَبْطُلْ رَهْنُهُ، وَكَانَ حُكْمُهُ عَلَى مَا ذُكِرَ آنِفًا إِذَا دَبَّرَهُ ثُمَّ رَهَنَهُ صَحَّ رَهْنُهُ وَلَمْ يَبْطُلْ تَدْبِيرُهُ. فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا كَانَ تَدْبِيرُ الْمَرْهُونِ بَاطِلًا كَمَا كَانَ عِتْقُهُ فِي بَعْضِ الْأَقَاوِيلِ بَاطِلًا؟ قِيلَ: لِأَنَّ الْعِتْقَ إِزَالَةُ مِلْكٍ يَمْنَعُ مِنْ جَوَازِ الْبَيْعِ، وَلَيْسَ التَّدْبِيرُ إِزَالَةَ مِلْكٍ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ جَوَازِ الْبَيْعِ. فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا كَانَ التَّدْبِيرُ إِذَا طَرَأَ عَلَى الرَّهْنِ مَانِعًا مِنْ صِحَّةِ الرَّهْنِ، كَمَا لَوْ كَانَ التَّدْبِيرُ مُتَقَدِّمًا مُنِعَ فِي بَعْضِ الْأَقَاوِيلِ مِنْ صِحَّةِ الرَّهْنِ؟

قِيلَ: لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الرَّهْنِ أَقْوَى مِنَ ابْتِدَائِهِ. أَلَا تَرَى أَنَّ جِنَايَةَ الْمَرْهُونِ إِذَا طَرَأَتْ عَلَى الرَّهْنِ لَمْ تَمْنَعْ صِحَّةَ الرَّهْنِ وَلَوْ تَقَدَّمَتْ عَلَى الرَّهْنِ مَنَعَتْ مِنْ صِحَّةِ الرَّهْنِ.

(فَصْلٌ)

فَأَمَّا الْمُزَنِيُّ فَإِنَّهُ اخْتَارَ أَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ، وَاخْتَارَ أَنَّ الرَّهْنَ مُبْطِلٌ لِلتَّدْبِيرِ كَمَا كَانَ مُبْطِلًا لِلْوَصِيَّةِ.

فَأَمَّا مَا اخْتَارَهُ مِنْ أَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ وَلَيْسَ بِعِتْقٍ بِصِفَةٍ، فَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ بِمَسْأَلَتَيْنِ لَيْسَ لَهُ فِيهِمَا دَلِيلٌ:

إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ قَالَ: قَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَوْ قَالَ لِمُدَبَّرِهِ: إِنْ أَدَّيْتَ كَذَا بَعْدَ مَوْتِي فَأَنْتَ حُرٌّ أَنَّهُ رُجُوعٌ فِي التَّدْبِيرِ. وَلَا دَلِيلَ لِلْمُزَنِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ. فَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ الَّذِي يَقُولُ إِنَّ التَّدْبِيرَ عِتْقٌ بِصِفَةٍ، فَلَا يَخْتَلِفُ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ رُجُوعًا عَنِ التَّدْبِيرِ.

وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ قَالَ: قَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: ولو وجب الْمُدَبَّرُ وَلَمْ يَقْبِضْهُ أَنَّهُ رُجُوعٌ فِي التَّدْبِيرِ.

وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْهِبَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ تَكُونُ رُجُوعًا فِي التَّدْبِيرِ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي يَقُولُ: إِنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ فَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي يَقُولُ: إِنَّ التَّدْبِيرَ عِتْقٌ بِصِفَةٍ فَلَا يَكُونُ رُجُوعًا فِي التَّدْبِيرِ.

فَعَلَى هَذَا لَا دَلِيلَ لِلْمُزَنِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ دَلِيلٌ فِي تِلْكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>