فَهَذَا جُمْلَةُ الْكَلَامِ فِي الْقِسْمَةِ إِذَا قِيلَ إِنَّهَا بَيْعٌ.
فَصْلٌ:
فَأَمَّا إِذَا قِيلَ إِنَّهَا إِفْرَازُ حَقٍّ وَتَمْيِيزُ نَصِيبٍ. جَازَ لَهُمَا أَنْ يَتَقَاسَمَا كُلَّ جِنْسٍ بَيْنَهُمَا مِمَّا فِيهِ الرِّبَا أَوْ لَا رِبَا فِيهِ كَيْفَ شَاءَا كَيْلًا وَوَزْنًا وَجُزَافًا.
فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَخْتَلِفُ أَجْزَاؤُهُ كَالثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ فَلَا بُدَّ مِنِ اجْتِمَاعِهِمَا عَلَى الْقِسْمَةِ حَتَّى يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَابِضًا وَمُقْبِضًا.
فَإِذَا انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِأَخْذِ حِصَّتِهِ لَمْ يَجُزْ وَكَانَ مَا أَخَذَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ وَعَلَيْهِ ضَمَانُ حِصَّةِ شَرِيكِهِ مِنْهُ، وَمَا بَقِيَ أَيْضًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ لَكِنْ لَا يَضْمَنُ حِصَّةَ شَرِيكِهِ مِنْهُ.
وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَتَمَاثَلُ أَجْزَاؤُهُ وَلَا يَخْتَلِفُ كَالْحُبُوبِ وَالْأَدْهَانِ جَازَ أَنْ يَنْفَرِدَ أَحَدُهُمَا بِأَخْذِ حِصَّتِهِ عَنْ إِذْنِ شَرِيكِهِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ مَا يَخْتَلِفُ أَجْزَاؤُهُ يَحْتَاجُ إِلَى اجْتِهَادٍ فِي اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ وَنَظَرٍ فِي طَلَبِ الْأَحَظِّ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْفَرِدَ أَحَدُهُمَا بِالْقِسْمَةِ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ الشَّرِيكُ.
وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَا كَانَتْ أَجْزَاؤُهُ مُتَمَاثِلَةً لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ مُقَدَّرٌ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى اجْتِهَادٍ فِي اسْتِيفَائِهِ وَلَا إِلَى نَظَرٍ فِي طَلَبِ الْأَحَظِّ فِي أَخْذِهِ، فَجَازَ أَنْ يَنْفَرِدَ أَحَدُهُمَا بِأَخْذِ حِصَّتِهِ عَنْ إِذْنِ شَرِيكِهِ، فَإِنِ اسْتَفْضَلَ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ وَبَانَ وَظَهَرَ، رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا اسْتَفْضَلَ. وَلَا يَجُوزُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فِيمَا تَمَاثَلَتْ أَجْزَاؤُهُ أَنْ يَنْفَرِدَ أَحَدُهُمَا بِالْقِسْمَةِ عَنْ إِذْنِ شَرِيكِهِ وَإِنْ جَازَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بَيْعٌ، وَالْبَيْعُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ أَحَدُهُمَا. وَهُوَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ إِفْرَازُ حَقٍّ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ أَحَدُهُمَا.
فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَوِ انْفَرَدَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ بِأَخْذِ حَقِّهِ مِنْ غَيْرِ إِذْنِ شَرِيكِهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ لِشَرِيكِهِ حَقَّ الْإِشَاعَةِ فَلَمْ يَسْقُطْ إِلَّا بِإِذْنٍ.
فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَا أَجَازَهُ الشَّرِيكُ مُشَاعًا وَهُوَ ضَامِنٌ لِحِصَّةِ شَرِيكِهِ مِنْهُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ. لِأَنَّهُ لَوِ اسْتَأْذَنَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ فَجَازَ إِذَا اسْتَوْفَى قَدْرَ حَقِّهِ أَلَّا يَسْتَأْذِنَهُ. وَاللَّهُ أعلم بالصواب.
[مسألة:]
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ تَمْرٍ بِرُطَبٍ بِحَالٍ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا يَبِسَ؟ " فَنَهَى عَنْهُ فَنَظَرَ إِلَى الْمُتَعَقِّبِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ.