للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نَفْسِهِ، وَعِتْقُ رَقَبَةٍ عَنْ زَوْجَتِهِ تَكُونُ فِي ذِمَّتِهِ إِلَى حِينِ يَسَارِهِ، لِأَنَّ الْإِعْسَارَ لَا يُسْقِطُ حَقًّا لَزِمَ عَنِ الْغَيْرِ، لِأَنَّهُ مُؤْنَةٌ كَالدَّيْنِ، وَإِنَّمَا يُسْقِطُ مَا تَعَلَّقَ بِخَاصَّةِ نَفْسِهِ، فَإِنْ بَدَأَ بِالصِّيَامِ لَزِمَهُ عِتْقُ الرَّقَبَةِ بَعْدَ صِيَامِهِ، وَإِنْ بَدَأَ بِالْعِتْقِ أَوَّلًا نُظِرَ فِي حَالِهِ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ التَّكْفِيرُ بِالْعِتْقِ لِحُرِّيَّتِهِ، وَعَدَمِ رِقِّهِ أَجْزَأَتْهُ الرَّقَبَةُ، وَسَقَطَ عَنْهُ الصِّيَامُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّكْفِيرُ بِالْعِتْقِ لِرِقِّهِ أَوْ رِقِّ بَعْضِهِ لم يسقط عنه الصوم، يعتق الرَّقَبَةِ، وَلَزِمَهُ صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الزَّوْجَةُ مِنْ أَهْلِ الْعِتْقِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْإِطْعَامِ فَعَلَيْهِ إِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا عَنْ نَفْسِهِ، وَعِتْقُ رَقَبَةٍ عَنْ زَوْجَتِهِ فَإِنْ بَدَأَ بِالْإِطْعَامِ أَوَّلًا، لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْعِتْقُ، وَلَزِمَهُ تَحْرِيرُ الرَّقَبَةِ، وَإِنْ أَعْتَقَ أَوَّلًا أَجْزَأَهُ، وَسَقَطَ عَنْهُ الْإِطْعَامُ لِأَنَّهُ قَدْ أَدَّى مَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَغْلَظُ مِنْهُ، إِذْ هُمَا مِنْ حُقُوقِ الْأَمْوَالِ، وَالْعِتْقُ أَغْلَظُ حَالًا.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ الزَّوْجَةُ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ، وَالزَّوْجُ مِنْ أَهْلِ الْإِطْعَامِ فَعَلَيْهَا صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ عَنْ نَفْسِهَا، لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ، وَعَلَى الزَّوْجِ إِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ تَحَمُّلُ شَيْءٍ عَنْ زَوْجَتِهِ.

فَصْلٌ

: وَإِذَا وَطِئَ الصَّائِمُ زَوْجَتَهُ فِي يَوْمٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ عَامِدًا، ثُمَّ وَطِئَهَا فِي يَوْمٍ ثَانٍ فَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَطِئَهَا فِي يَوْمٍ ثَالِثٍ وَرَابِعٍ، كَانَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ كَفَّارَةٌ وَسَوَاءٌ كَفَّرَ عَنِ الوطئ الْأَوَّلِ أَمْ لَا، وَقَالَ أبو حنيفة إِنْ كفر عن الوطئ الأول، فعليه للوطئ الثَّانِي كَفَّارَةٌ أُخْرَى وَإِنْ لَمْ يُكَفِّرْ عَنِ الْأَوَّلِ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، تُجْزِيهِ عَنْهُمَا قَالَ لِأَنَّ اسْمَ رَمَضَانَ يَعُمُّ جَمِيعَ الشَّهْرِ فَصَارَ كَالْعِبَادَةِ الْوَاحِدَةِ، وَالْيَوْمِ الْوَاحِدِ الَّذِي لَا يَلْزَمُ فِيهِ إِلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، قَالَ: وَلِأَنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ فَشَابَهَ الْحَجَّ الَّذِي لَا يَلْزَمُ فِيهِ إِلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، قَالَ: وَلِأَنَّ الْكَفَّارَاتِ حُدُودٌ وَعُقُوبَاتٌ، إِذْ لَا تَجِبُ إِلَّا بِمَأْثَمٍ مَخْصُوصٍ وَالْحُدُودُ إِذَا تَرَادَفَتْ تَدَاخَلَتْ، وَكَانَ الْحَدُّ الْوَاحِدُ نَائِبًا عَنْ جَمِيعِهَا كَحَدِّ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ فَكَذَلِكَ الْكَفَّارَاتُ، وَدَلِيلُنَا هُوَ أَنَّهُ أَفْسَدَ بِوَطْئِهِ صَوْمَ يَوْمَيْنِ، لَوْ كَفَّرَ عَنِ الْأَوَّلِ لَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ عَنِ الثَّانِي، فَوَجَبَ أَنْ تَلْزَمَهُ الْكَفَّارَةُ عَنِ الثَّانِي، وَإِنْ لَمْ يُكَفِّرْ عَنِ الْأَوَّلِ أَصْلُهُ إِذَا كَانَ الْيَوْمَانِ مِنْ رَمَضَانَ فِي عَامَيْنِ، وَلِأَنَّهُمَا يَوْمَانِ لَوْ أُفْرِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْفَسَادِ، لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ، فَوَجَبَ إِذَا أَفْسَدَهُمَا مَعًا أَنْ تَلْزَمَهُ كَفَّارَتَانِ، أَصْلُهُ إِذَا كَفَّرَ عَنِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ أَوِ الْيَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَيْنِ فِي عامين، ولأن كل حكم تعق بِالْجِمَاعِ الْأَوَّلِ تَعَلَّقَ بِالْجِمَاعِ الثَّانِي، كَالْقَضَاءِ وَلِأَنَّ لِكُلِّ يَوْمٍ مِنَ الشَّهْرِ حُرْمَةٌ يَتَمَيَّزُ بِهَا عن الآخر لما يلزمه من تجديد النِّيَّةِ، وَلَا يَتَعَدَّى فَسَادَ الْيَوْمِ، إِلَى غَيْرِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ بِهَتْكِ حُرْمَةِ يَوْمٍ كَفَّارَةٌ مُجَدَّدَةٌ، فَأَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّهُ كَالْعِبَادَةِ الْوَاحِدَةِ، لِأَنَّ اسْمَ الشَّهْرِ يَجْمَعُهُ، فَالْجَوَابُ وَإِنْ كَانَ عِبَادَةً واحدة، فإنه يجمع عبادات واحدة كالصلاة هي رُكْنٌ وَاحِدٌ، وَعِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ ثُمَّ يَجْمَعُ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، وَلِكُلِّ صَلَاةٍ حُكْمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>