أَجْزَاءُ أَحَدِهِمَا وَثَقُلَتْ أَجْزَاءُ الْآخَرِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَخَالَفَ الدَّقِيقُ الَّذِي قَدْ تَفَرَّقَتْ أَجْزَاؤُهُ فَانْبَسَطَتْ بِالْحِنْطَةِ الَّتِي قَدِ انْضَمَّتْ أَجْزَاؤُهَا وَاجْتَمَعَتْ.
فَصْلٌ:
فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ بَيْعَ الدَّقِيقِ بِالْحِنْطَةِ لَا يَجُوزُ فَكَذَا مَا حَدَثَ عَنِ الدَّقِيقِ مِنَ الْعَجِينِ وَالْخُبْزِ وَالسَّوِيقِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْحِنْطَةِ، أَمَّا الْعَجِينُ فَلِعِلَّتَيْنِ:
إِحْدَاهُمَا: مَا ذَكَرْنَا مِنْ عِلَّةِ الدَّقِيقِ.
وَالثَّانِيَةُ: دُخُولُ الْمَاءِ فِيهِ.
وأما الخبز فلثلاث علل منها هاتات الْعِلَّتَانِ.
وَالثَّالِثَةُ: دُخُولُ النَّارِ فِيهِ. فَأَمَّا السَّوِيقُ بِالْحِنْطَةِ فَلَا يَجُوزُ لِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ كَالدَّقِيقِ بِالْحِنْطَةِ.
فَصْلٌ:
فَإِذَا بِيعَ الدَّقِيقُ بِالدَّقِيقِ فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَقَالَ أبو حنيفة يَجُوزُ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْبُوَيْطِيُّ، وَحَكَاهُ الْمُزَنِيُّ فِي مَسَائِلِهِ الْمَنْثُورَةِ عَنِ الشَّافِعِيِّ لِتَسَاوِيهِمَا فِي تَفَرُّقِ أَجْزَائِهِمَا كَمَا جَازَ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ لِتَسَاوِيهِمَا فِي اجْتِمَاعِ أَجْزَائِهِمَا، وَلَمْ يَجُزْ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالْحِنْطَةِ لِاجْتِمَاعِ أَجْزَاءِ أَحَدِهِمَا وَتَفَرُّقِ أَجْزَاءِ الْآخَرِ. وَهَذَا خَطَأٌ. لِأَنَّ الدَّقِيقَ وَإِنْ تَفَرَّقَتْ أَجْزَاءُ جَمِيعِهِ بِالطَّحْنِ فَقَدْ يَكُونُ طَحْنُ أَحَدِهِمَا أَنْعَمَ، فَيَكُونُ تَفْرِيقُ أَجْزَائِهِ أَكْثَرَ وَهُوَ فِي الْمِكْيَالِ أَجْمَعُ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إِلَى التَّفَاضُلِ فِيهِ، لِأَنَّ النَّاعِمَ الْمُنْبَسِطَ أَكْثَرُ فِي الْمِكْيَالِ مِنَ الْخَشِنِ الْمُجْتَمِعِ، أَوْ يَكُونُ مَجْهُولَ التَّمَاثُلِ، وَأَيُّهُمَا كَانَ فَبَيْعُهُ بَاطِلٌ، لِأَنَّ الْجَهْلَ بِالتَّمَاثُلِ كَالْعِلْمِ بِالتَّفَاضُلِ. وَإِذَا لَمْ يَجُزْ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ فَكَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ السَّوِيقِ بِالدَّقِيقِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ التَّعْلِيلِ.
فَأَمَّا الْخُبْزُ إِذَا يَبِسَ وَدُقَّ فَتُوتًا نَاعِمًا، وَبِيعَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ كَيْلًا فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْيُبْسِ وَالدَّقِّ قَدْ عاد أَصْلِهِ مِنْ قَبْلُ وَقَدْ حَصَلَ فِيهِ التَّمَاثُلُ بِالْكَيْلِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي وَهُوَ أَصَحُّ: لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ الدَّقِيقَ أَقْرَبُ إِلَى التَّمَاثُلِ مِنَ الْخَبْزِ الْمَدْقُوقِ الَّذِي قَدْ دَخَلَتْهُ النَّارُ وَأَحَالَتْهُ، فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ فَأَوْلَى أَلَّا يَجُوزَ بَيْعُ الْخُبْزِ الْمَدْقُوقِ بِالْخُبْزِ الْمَدْقُوقِ، وَلَوْلَا أَنَّ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ مَشْهُورٌ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِنَا لَكَانَ إِغْفَالُهُ أَوْلَى لِمُخَالَفَتِهِ النَّصَّ وَمُنَافَاتِهِ الْمَذْهَبَ.
فَصْلٌ:
فَأَمَّا إِذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسَانِ فِي بَيْعِ الدقيق بالدقيق أو الخبز بالدقيق جازه لِجَوَازِ التَّفَاضُلِ فِيهِ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ الْبُرِّ بِدَقِيقِ الشَّعِيرِ، وَخُبْزِ الْبُرِّ بِخُبْزِ الشَّعِيرِ مُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ، لِاخْتِلَافِ الْجِنْسَيْنِ، لِأَنَّ الشَّعِيرَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْبُرِّ.