للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَجَازَ دُخُولُ التَّحَرِّي فِيهَا عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ قِيَاسًا عَلَى الْقِبْلَةِ وَالْأَوَانِي، وَمَعْنَى قَوْلِنَا: تُؤَدَّى بِالْيَقِينِ هُوَ: أَنْ يُصَلِّيَ فِي ثَوْبٍ قَدْ غَسَلَهُ

وَقَوْلُنَا: تُؤَدَّى بِالظَّاهِرِ هُوَ: جَوَازُ الصَّلَاةِ فِي ثياب المشركين واليقين في القبلة أن يعانيها، وَالظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ غَائِبًا عَنْهَا، وَالْيَقِينُ فِي الْمَاءِ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِمَاءِ النَّهْرِ وَالظَّاهِرُ بِمَاءِ الْأَوَانِي، فَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ وُصُولِهِ إِلَى أَدَاءِ فَرْضِهِ بِيَقِينٍ فَمُنْتَقَضٌ عَلَيْهِ بِجِهَاتِ الْقِبْلَةِ يَجُوزُ لَهُ الِاجْتِهَادُ فِيهَا، وَلَا يَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ إِلَى جَمِيعِهَا وَإِنْ كَانَ فِيهِ أَدَاءُ فَرْضَيْنِ بِيَقِينٍ، ثُمَّ الْفَرْقُ بَيْنَ تَرْكِهِ لِصَلَاةٍ مِنْ خَمْسِ صَلَوَاتٍ وَبَيْنَ الثَّوْبَيْنِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ مَا سِوَى فَرْضِهِ مِنَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ نَافِلَةٌ وَفِعْلُهَا عَلَى وَجْهِ الْعَمْدِ طَاعَةٌ، وَفِعْلُ الصَّلَاةِ عَلَى وَجْهِ الْعَمْدِ فِي ثَوْبٍ نجس معصية فافترقا من هذا الوجه

والوجه الثَّانِي: هُوَ أَنَّ عَلَيْهِ تَعْيِينُ النِّيَّةِ فِي الصَّلَاةِ الْمَتْرُوكَةِ مِنَ الْخَمْسِ فَلَا يُمْكِنُهُ تَعْيِينُ النِّيَّةِ لَهَا إِلَّا بِقَضَاءِ الْخَمْسِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ تَعْيِينُ النِّيَّةِ فِي الظَّاهِرِ مِنَ الثَّوْبَيْنِ فَافْتَرَقَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا

وَالْفَرْقُ الثَّالِثُ: عَدَمُ الْمَشَقَّةِ فِي إِعَادَةِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ إِذَا تَرَكَ أَحَدَهَا، لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا يَلْزَمُهُ إِعَادَةُ خَمْسٍ سَوَاءٌ تَرَكَ صَلَاةً، أَوْ صَلَاتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا، أَوْ أَرْبَعًا وَإِذَا نَالَ الْمَشَقَّةَ فِي إِعَادَةِ الصلاة في الثياب لأنه قَدْ يَكُونُ مَعَهُ ثَوْبٌ نَجِسٌ فِي جُمْلَةِ أَلْفِ ثَوْبٍ طَاهِرٍ لَا يَعْرِفُهُ بِعَيْنِهِ، فَلَوْ كُلِّفَ إِعَادَةَ الصَّلَاةِ فِي كُلِّ ثَوْبٍ مَرَّةً لَلَزِمَهُ إِعَادَةُ تِلْكَ الصَّلَاةِ أَلْفَ مَرَّةٍ وَهَذَا أَعْظَمُ مَشَقَّةً

(فَصْلٌ)

: فَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُ التَّحَرِّي فِي ثَوْبَيْنِ، فَكَذَلِكَ فِي الْكَثِيرِ مِنَ الثِّيَابِ سَوَاءٌ كَانَ الطَّاهِرُ أَكْثَرَ مِنَ النَّجَسِ أَوِ النَّجِسُ أَكْثَرَ مِنَ الطَّاهِرِ، فَإِذَا بَانَ لَهُ بِالِاجْتِهَادِ وَالتَّحَرِّي طَهَارَةُ أَحَدِهِمَا صَلَّى فِيهِ مَا شَاءَ مِنَ الصَّلَوَاتِ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ إِعَادَةُ الِاجْتِهَادِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ، فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ إِعَادَةُ الِاجْتِهَادِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ كَالْقِبْلَةِ؟ قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْقِبْلَةَ فِي مَوْضِعِهَا لَا تَنْتَقِلُ فِي أَحْوَالِهَا وَيَكُونُ مَهَبُّ الشَّمَالِ فِي وَقْتٍ قِبْلَةً لَهُ، وَمَهَبُّ الْجَنُوبِ فِي وَقْتٍ قِبْلَةً لَهُ، وَقَدْ يَكُونُ ضِدَّهُمَا فِي وَقْتٍ قِبْلَةً لَهُ لِتَغْيِيرِ أَحْوَالِهِ وَتَنَقُّلِ أَمَاكِنِهِ فَلِأَجْلِ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ تَكْرَارُ الِاجْتِهَادِ لِتَكُونَ الصَّلَاةُ وَالثَّوْبُ الطَّاهِرُ مَحْكُومٌ لَهُ بِالنَّجَاسَةِ فِي كُلِّ زَمَانٍ فَلِأَجْلِ ذَلِكَ لَمْ تَلْزَمْهُ إِعَادَةُ الِاجْتِهَادِ، فَلَوْ أَعَادَ الِاجْتِهَادَ عِنْدَ صَلَاتِهِ فِي الثَّوْبَيْنِ ثَانِيَةً فَبَانَ لَهُ نَجَاسَةُ مَا صَلَّى فِيهِ وَطَهَارَةُ مَا تَرَكَهُ، فَإِنْ بَانَ لَهُ عِلْمُ ذَلِكَ قَطْعًا مِنْ طَرِيقِ الْيَقِينِ أَعَادَ صَلَاتَهُ الْأُولَى، لِأَنَّ الْعِلْمَ الْقَاطِعَ قَاضٍ عَلَى الْعِلْمِ الظَّاهِرِ فَجُوِّزَ لَهُ الصَّلَاةُ فِي الثَّوْبِ الثَّانِي لِيَقِينِ طَهَارَتِهِ، وَإِنْ عَلِمَ نَجَاسَتَهُ مِنْ طَرِيقِ الِاجْتِهَادِ وَالتَّحَرِّي لَمْ يُعِدْ مَا صَلَّى فِيهِ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْتَأْنِفَ الصَّلَاةَ فِيهِ، لِأَنَّ اجْتِهَادَهُ الثَّانِيَ قَدْ أَثْبَتَ لَهُ حُكْمَ النَّجَاسَةِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ: أَنَّهُ يصلي عريان، وَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، وَعَلَى مَذْهَبِ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ يُصَلِّي فِي الثَّانِي، وَلَيْسَ عَلَيْهِ إِعَادَةٌ عَلَى نَحْوِ مَا قَالَهُ فِي الْإِنَاءَيْنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ مَعَهُ، وَعَلَى مَذْهَبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>