الْمَغْصُوبِ إِذَا قُوِّمَ مِثْلُهُ عِنْدَ إِعْوَازِهِ ثُمَّ وُجِدَ بَعْدَ الْقِيمَةِ يُرْجَعُ بِالطَّعَامِ إِنْ لَمْ تُقْبَضِ الْقِيمَةُ، وَلَا يُرْجَعُ بِهِ إِنْ قَبَضَهَا.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَا يَحْمِلُهَا فَقِيرٌ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ، دِيَةُ الْعَاقِلَةِ تُسْتَحَقُّ عَلَى الْمُوسِرِ وَالْمُتَوَسِّطِ، وَلَا تَجِبُ عَلَى الْفَقِيرِ الْمُعْسِرِ، لِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ فَأَشْبَهَتْ نَفَقَاتِ الْأَقَارِبِ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا إِزَالَةُ الضَّرَرِ عَنِ الْقَاتِلِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا الضَّرَرُ عَلَى الْمُتَحَمِّلِ الْعَاقِلِ، وَخَالَفَتْ دِيَةَ الْعَمْدِ الَّتِي يُؤْخَذُ بِهَا الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ لِاسْتِحْقَاقِ الْعَمْدِ بِمُبَاشَرَتِهِ وَاسْتِحْقَاقِ الْخَطَأِ بِمُوَاسَاتِهِ.
فَأَمَّا الْجِزْيَةُ فَفِي أَخْذِهَا مِنَ الْفَقِيرِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا تُؤْخَذُ مِنْهُ كَالْعَاقِلَةِ.
وَالثَّانِي: تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ وَإِنْ لَمْ تُؤْخَذِ الدِّيَةُ مِنْ فُقَرَاءِ الْعَاقِلَةِ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْجِزْيَةَ مَوْضُوعَةٌ لِحَقْنِ الدَّمِ وَإِقْرَارِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَصَارَتْ عِوَضًا، وَتَحَمُّلَ الدية مواساة محضة والفقر يقسط المواساة ولا يسقط المعاوضة.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ قَضَى بِهَا فَأَيْسَرَ الْفَقِيرُ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ نَجْمٌ مِنْهَا أَوِ افْتَقَرَ غَنِيٌّ فَإِنَّمَا أُنْظِرَ إِلَى الْمُوسِرِ يَوْمَ يَحُلُّ نَجْمٌ مِنْهَا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ مَا يُسْتَحَقُّ بِالْحَوْلِ يَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: مَا كَانَ الْحَوْلُ فِيهِ مَضْرُوبًا لِلْوُجُوبِ وَهُوَ حَوْلُ الزَّكَاةِ.
وَالثَّانِي: مَا كَانَ الْحَوْلُ فِيهِ مَضْرُوبًا لِلْأَدَاءِ مَعَ تَقَدُّمِ الْوُجُوبِ وَهُوَ حَوْلُ الْعَاقِلَةِ.
وَالثَّالِثُ: مَا اخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ هُوَ مَضْرُوبٌ لِلْوُجُوبِ أَوْ لِلْأَدَاءِ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَهُوَ حَوْلُ الْجِزْيَةِ.
فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَالْفَقْرُ وَالْغِنَى فِي الْعَاقِلَةِ مُعْتَبَرٌ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْحَوْلِ وَقْتَ الْأَدَاءِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي أَوَّلِهِ وَقْتُ الْوُجُوبِ، فَإِنْ قِيلَ: فَالِاعْتِبَارُ بِوَقْتِ وُجُوبِهِ أَوْلَى مِنَ الِاعْتِبَارِ بِوَقْتِ أَدَائِهِ كَالْجِزْيَةِ.
قِيلَ: لِأَنَّ الْجِزْيَةَ مُعَيَّنَةٌ فَاعْتُبِرَ بِهَا وَقْتُ وُجُوبِهَا، وَالدِّيَةَ تَجِبُ بِالْقَتْلِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَلَا يَتَعَيَّنُ إِلَّا عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ، أَلَا تَرَى لَوْ مَاتَ أَحَدُ الْعَاقِلَةِ قَبْلَ الْحَوْلِ لَمْ تُؤْخَذْ مِنْ تَرِكَتِهِ، وَلَوْ تَعَيَّنَ اسْتِحْقَاقُهَا لَأُخِذَتْ، فَإِذَا تَقَرَّرَ اعْتِبَارُ الْغِنَى وَالْفَقْرِ عِنْدَ حُلُولِ الْحَوْلِ فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ عِنْدَ الْحُلُولِ غَنِيًّا وَجَبَتْ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا فِي أَوَّلِهِ، وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ عِنْدَ الْحَوْلِ فَقِيرًا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فِي أَوَّلِهِ، فَلَوْ حَالَ الْحَوْلُ