وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ إِلْحَاقِهِ بِأُمِّ الْوَلَدِ فَهُوَ أَنَّهَا كَالْمُسْتَهْلَكَةِ بِالْإِحْبَالِ لِسِرَايَتِهِ إِلَى حِصَّةِ الشَّرِيكِ، وَلِأَنَّ عِتْقَ أُمِّ الْوَلَدِ لَازِمٌ لِاعْتِبَارِهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كَالدُّيُونِ، وَعِتْقَ التَّدْبِيرِ غَيْرُ لَازِمٍ لِاعْتِبَارِهِ مِنَ الثُّلُثِ كَالْوَصَايَا فَلِهَذَيْنِ مَا افْتَرَقَا فِي جَوَازِ الْبَيْعِ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ أَنَّ انْتِقَالَ الِاسْمِ يُوجِبُ انْتِقَالَ الْحُكْمِ، فَهُوَ أَنَّهُ مُوجِبٌ لِزِيَادَةِ حُكْمٍ لَمْ يَكُنْ قَبْلَ انْتِقَالِ الِاسْمِ، وَقَدْ وُجِدَتِ الزِّيَادَةُ بِعِتْقِهِ بِالْمَوْتِ، وَلَمْ يَلْزَمْ زَوَالُ أَحْكَامِهِ كَمَا لَمْ يَلْزَمْ زَوَالُ اسْتِخْدَامِهِ. فَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُ بَيْعِهِ، جَازَتْ هِبَتُهُ وَجَازَ كِتَابَتُهُ، وَجَازَ تَعْجِيلُ عِتْقِهِ.
فَأَمَّا الرُّجُوعُ فِي تَدْبِيرِهِ مَعَ بَقَائِهِ عَلَى مِلْكِهِ، حَتَّى لَا يُعْتَقَ بِمَوْتِهِ فَسَنَذْكُرُهُ مِنْ بَعْدُ فِي موضعه.
[مسألة]
قال الشافعي رضي الله عنه: (فَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِعَبْدِهِ أَنْتَ مُدَبَّرٌ أَوْ أَنْتَ عَتِيقٌ أَوْ مُحَرَّرٌ أَوْ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي أَوْ مَتَى مُتُّ أَوْ مَتَى دَخَلْتَ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي فَدَخَلَ فَهَذَا كُلُّهُ تَدْبِيرٌ يَخْرُجُ مِنَ الثُّلُثِ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَكَلَامُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَشْتَمِلُ عَلَى فَصْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: فِيمَا يَصِيرُ بِهِ مُدَبَّرًا.
وَالثَّانِي: فِيمَا يَكُونُ فِي التَّرِكَةِ مُعْتَبَرًا.
فَأَمَّا الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: في الألفاظ التي تكون بِهَا مُدَبَّرًا:
فَأَلْفَاظُ التَّدْبِيرِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: صَرِيحٌ، وَكِنَايَةٌ، وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ هَلْ هُوَ صَرِيحٌ، أَوْ كِنَايَةٌ.
فَأَمَّا الصَّرِيحُ: فَهُوَ قَوْلُهُ: إِذَا مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ، أَوْ أَنْتَ حُرٌّ بِمَوْتِي، أَوْ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي، لِأَنَّهَا أَلْفَاظٌ لَا احْتِمَالَ فِيهَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُعَلِّقَهُ بِالْمَوْتِ، أَوْ بَعْدَ الْمَوْتِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوْتِ فَاصِلٌ، لِأَنَّهُ فِي الْحَالَيْنِ وَاقِعٌ بَعْدَ الْمَوْتِ.
وَأَمَّا الْكِنَايَةُ: فَهُوَ أن يقول: إذا مت فأنت حرام، أَوْ مُسَيَّبٌ أَوْ مُخْلًى، أَوْ مَالِكٌ لِنَفْسِكَ، أَوْ لَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ عَلَيْكَ إِلَى نَظَائِرِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْمُحْتَمَلَةِ.
فَإِنْ أَرَادَ بِهَا الْعِتْقَ صَارَ مُدَبَّرًا، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِهَا الْعِتْقَ لَمْ يَكُنْ مُدَبَّرًا، وَاعْتِبَارُ الْإِرَادَةِ أَنْ يَكُونَ مَعَ لَفْظِهِ فَإِنْ تَجَرَّدَ اللَّفْظُ عَنِ الْإِرَادَةِ ثُمَّ أَرَادَهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ اللَّفْظِ، لَمْ يَصِرْ مُدَبَّرًا، لِأَنَّ انْفِصَالَ النِّيَّةِ عَنِ الْكِنَايَةِ مُبْطِلٌ لحكم الكناية، ويكون السيد هو المسؤول عَنْ إِرَادَتِهِ. هَلْ أَرَدْتَ بِهِ الْعِتْقَ، أَوْ لَمْ تُرِدْ، وَلَا يُسْأَلُ هَلْ أَرَدْتَ بِهِ التَّدْبِيرَ، أَوْ لَمْ تُرِدْ، لِأَنَّهُ لَمَّا عَلَّقَهُ بِالْمَوْتِ تَوَجَّهَ إِلَى التَّدْبِيرِ وَلَمْ يَتَوَجَّهْ إِلَى الْعِتْقِ النَّاجِزِ، وَلَكِنْ لَوْ أَطْلَقَ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ وَلَمْ يُعَلِّقْهَا بِالْمَوْتِ جَازَ أَنْ يُرِيدَ بِهَا الْعِتْقَ النَّاجِزَ وَجَازَ أَنْ يُرِيدَ