للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُفْضِي إِلَى إِبْطَالِ وَثِيقَةِ الْمُرْتَهِنِ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا يُخَافُ حَبَلُهَا لِصِغَرٍ أَوْ إِيَاسٍ، فَفِي جَوَازِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ: يَجُوزُ اسْتِمْتَاعُهُ بِهَا وَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ، لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ لَا تُفْضِي إِلَى إِبْطَالِ وَثِيقَةِ الْمُرْتَهِنِ مِنْهَا وَلَا إِلَى النُّقْصَانِ فِيهَا.

وَتَعْلِيلُ الشَّافِعِيِّ يَقْتَضِيهِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ، لِأَنَّ عَادَةَ النِّسَاءِ فِي زَمَانِ الْحَمْلِ مُخْتَلِفَةٌ، فَرُبَّمَا أَسْرَعَ إِلَيْهَا بِقُوَّةِ الطَّبْعِ وَفَرَطِ الْحَرَارَةِ، وَرُبَّمَا تَأَخَّرَ لِضَعْفِ الطَّبْعِ وَكَثْرَةِ الْبُرُودَةِ، فَكَانَ حَسْمُ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِهِ خَوْفًا مِنْ حُدُوثِ الْإِحْبَالِ أَوْلَى.

كَمَا أَنَّ طِبَاعَ النَّاسِ لَمَّا كَانَتْ تَخْتَلِفُ فِي السُّكْرِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَسْكَرُ بِالْقَلِيلِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَسْكَرُ بِهِ، مُنِعَ مِنْ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ.

فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَانِ الْوَجْهَانِ، فَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَخْلُوَ بِهَا فِي الِاسْتِخْدَامِ لَهَا خَوْفًا مِنْ مُوَاقَعَتِهَا سَوَاءٌ كَانَتْ جَمِيلَةً أَمْ لَا، إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ الْمُرْتَهِنُ فَيَجُوزُ، لِأَنَّ هَذَا الْمَنْعَ لَيْسَ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَمَنْعِ الْمُرْتَهِنِ فَإِذَا أَذِنَ جَازَ.

فَإِذَا قِيلَ: إِنَّهُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ، جَازَ أَنْ يَخْلُوَ بِهَا فِي الِاسْتِخْدَامِ لَهَا، لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا يُخَافُ مِنَ الْخَلْوَةِ بِهَا أَنْ يَطَأَ وَالْوَطْءُ مُبَاحٌ لَهُ، والله أعلم.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَمَا كَانَتْ مِنْ زِيَادَةٍ لَا تَتَمَيَّزُ مِنْهَا مِثْلَ الْجَارِيَةِ تَكْبُرُ وَالثَّمَرَةِ تَعْظُمُ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَهُوَ غَيْرُ مُتَمَيِّزٍ مِنْهَا وَهِيَ رَهْنٌ كُلُّهَا ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَ الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ فيما مضى قبل.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ مَاشِيَةً فَأَرَادَ الرَّاهِنُ أَنْ يُنْزِيَ عَلَيْهَا أَوْ عَبْدًا صَغِيرًا فَأَرَادَ أَنْ يَخْتِنَهُ أَوِ احْتَاجَ إِلَى شُرْبِ دَوَاءٍ أَوْ فَتْحِ عِرْقٍ أَوِ الدَّابَّةُ إِلَى تَوْدِيجٍ أَوْ تَبْزِيعٍ فَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِمَّا فِيهِ لِلرَّهْنِ مَنْفَعَةٌ وَيَمْنَعُهُ مِمَا فِيهِ مَضَرَّةٌ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ إِذَا كَانَ الرهن مَاشِيَةً، فَإِنْ كَانَتْ ذُكْرَانًا فَلَهُ أَنْ يُنْزِيَهَا عَلَى إِنَاثِهِ مَا لَمْ يَتَجَاوَزْ فِيهَا الْعُرْفَ، لِأَنَّ الْإِنْزَاءَ مِنْ مَنْفَعَتِهَا وَلَا يَنْتَقِصُ شَيْءٌ مِنْ ثَمَنِهَا، فَإِنْ كَانَتْ إِنَاثًا فَأَرَادَ أَنْ يُنْزِيَ عَلَيْهَا ذُكْرَانًا، فَإِنْ كَانَتْ تَضَعُ قَبْلَ حُلُولِ الْحَقِّ فَلَهُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ مَنْعُهُ مِنْهُ فِي أَوَانِهِ، لِمَا فِي مَنْعِهِ مِنْ تَعْطِيلِ نَفْعِهَا وَذَهَابِ نِتَاجِهَا، فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ لَوْ كَانَ الرَّهْنُ جَارِيَةً لَمْ يَكُنْ لِلرَّاهِنِ أَنْ يُزَوِّجَهَا خَوْفًا مِنْ حَبَلِهَا. فَهَلَّا كَانَ مَمْنُوعًا فِي الْمَاشِيَةِ مِنَ الْإِنْزَاءِ عَلَيْهَا لِأَجْلِ حَبَلِهَا قِيلَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

<<  <  ج: ص:  >  >>