وَقْتِ الْعَقْدِ إِلَى وَقْتِ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ إِنْ حَدَثَ بِهَا بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ نَقْصٌ كَانَ مَضْمُونًا عَلَى الْبَائِعِ وَإِنَّ حَدَثَ زِيَادَةٌ كَانَتْ مِلْكًا لِلْمُشْتَرِي وَلِذَلِكَ وَجَبَ تَقْوِيمُهَا فِي أَوَّلِ الْحَالَيْنِ قِيمَةً فَإِذَا قِيلَ قِيمَتُهَا فِي تِلْكَ الْحَالِ بَكْرًا لَا عَيْبَ بِهَا مِائَةُ دِينَارٍ قُوِّمَتْ بِكْرًا وَبِهَا ذَلِكَ الْعَيْبُ فَإِذَا قِيلَ قِيمَتُهَا تِسْعُونَ دِينَارًا كَانَ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ مِنَ النَّقْصِ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ وَهِيَ عُشْرُ الْقِيمَةِ فَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِعُشْرِ الثَّمَنِ وَلَا يَرْجِعُ بِعُشْرِ الْقِيمَةِ لِأَمْرَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الثمن وما زَادَ عَلَى الْقِيمَةِ أَوْ نَقَصَ فَلَوْ كَانَ الْأَرْشُ مُعْتَبَرًا مِنَ الْقِيمَةِ لَكَانَ رُبَّمَا اسْتَوْعَبَ الثَّمَنَ إِنْ كَانَ نَاقِصًا أَوْ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ إِنْ كَانَ زَائِدًا.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ جَمِيعُ الْمَبِيعِ فِي مُقَابَلَةِ جَمِيعِ الثَّمَنِ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ أَجْزَاؤُهُ النَّاقِصَةُ فِي مُقَابَلَةِ أَجْزَاءِ الثَّمَنِ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ نُظِرَ قَدْرُ الثَّمَنِ فَإِنْ كَانَ خَمْسِينَ دِينَارًا رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِعُشْرِهَا وَذَلِكَ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ، وَإِنْ كَانَ مِائَتَيْ دِينَارٍ رَجَعَ بِعُشْرِهَا وَذَلِكَ عِشْرُونَ دِينَارًا.
فَصْلٌ:
فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ اعْتِبَارَ الْأَرْشِ مَا ذَكَرْنَا وَكَذَلِكَ فِي أَرْشِ كُلِّ عَيْبٍ، فَلَوِ امْتَنَعَ الْبَائِعُ مِنْ دَفْعِ الْأَرْشِ وَقَالَ أَنَا أَسْتَرِدُّ الْجَارِيَةَ ثَيِّبًا كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَقِيلَ لِلْمُشْتَرِي لَا أَرْشَ لَكَ وَأَنْتَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الرَّدِّ وَالْإِمْسَاكِ بِالْعَيْبِ لِأَنَّنَا مَنَعْنَا مِنَ الرَّدِّ عَلَى البائع لأن لا يَلْحَقَهُ نَقْصٌ وَأَوْجَبْنَا لِلْمُشْتَرِي الْأَرْشَ لِيَسْتَدْرِكَ بِهِ الْعَيْبَ فَإِذَا رَضِيَ الْبَائِعُ بِقَبُولِ الْعَيْبِ بَطَلَ الْأَرْشُ وَوَجَبَ الرَّدُّ إِنْ شَاءَ الْمُشْتَرِي وَلَكِنْ لَوِ اسْتَحَقَّ الْمُشْتَرِي الرَّدَّ فَبَذَلَ الْبَائِعُ الْأَرْشَ لَمْ يَلْزَمِ الْمُشْتَرِي قَبُولُهُ وَكَانَ لَهُ الرَّدُّ وَلَوْ طَلَبَ الْمُشْتَرِي الْأَرْشَ لَمْ يَلْزَمِ الْبَائِعَ بَذْلُهُ وَكَانَ لِلْمُشْتَرِي الْإِمْسَاكُ أَوِ الرَّدُّ وَلَوْ تَرَاضَيَا جَمِيعًا عَلَى دَفْعِ الْأَرْشِ بَدَلًا مِنَ الرَّدِّ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ مَا اسْتَحَقَّ رَدُّهُ ثَبَتَ فِيهِ الْخِيَارُ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْهُ إِلَى الْأَرْشِ لِأَنَّهُ إِسْقَاطُ خِيَارٍ بِعِوَضٍ كَمَا لَوْ أُسْقِطَ خِيَارُ الثَّلَاثِ، وَخِيَارُ الشُّفْعَةِ بِعِوَضٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ ابْنِ سُرَيْجٍ إِنَّهُ جَائِزٌ لِأَنَّ الْعَيْبَ قَدْ يُوجِبُ تَارَةً الرَّدَّ وَتَارَةً الْأَرْشَ فَلَمَّا جَازَ الرَّدُّ مَعَ اسْتِحْقَاقِ الْأَرْشِ اقْتَضَى أَنْ يَجُوزَ الْأَرْشُ مَعَ اسْتِحْقَاقِ الرَّدِّ وَلَا يُشْبِهُ خِيَارَ الثَّلَاثِ وَالشُّفْعَةَ لِأَنَّهُمَا لَا يَرْجِعَانِ إِلَى بَدَلِهِ وَهَذَا يَرْجِعُ إِلَى بَدَلٍ، فَإِذَا قِيلَ بِجَوَازِ أَخْذِ الْأَرْشِ اعْتُبِرَ عَلَى مَا مَضَى وَإِذَا قِيلَ أَخْذُ الْأَرْشِ لَا يَجُوزُ فَهَلْ يَسْقُطُ خِيَارُ الْمُشْتَرِي عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يَسْقُطُ خِيَارُهُ لِأَنَّ طَلَبَهُ لِلْأَرْشِ رِضًا مِنْهُ بِالْعَيْبِ.
وَالثَّانِي: لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَنِ الرَّدِّ لما ظنه من حصول الأرش فإذا لم يحصل الأرش كان حقه من الرد.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute