للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَحَدُهَا: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ جُبْرَانُهُمَا؛ لِاخْتِصَاصِ الْجُبْرَانِ بِالْمَنَاسِكِ الشَّرْعِيَّةِ، وَلَيْسَ الْمَشْيُ، وَالرُّكُوبُ بِنُسُكٍ مَشْرُوعٍ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجِبُ عَلَيْهِ جُبْرَانُهُمَا بِدَمٍ فَيَفْتَدِي الْمَشْيَ إِذَا رَكِبَ، وَيَفْتَدِي الرُّكُوبَ إِذَا مَشَى؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ صَارَا بِالشَّرْطِ مِنْ حُقُوقِ حَجِّهِ، فَجَرَى عَلَيْهِمَا حُكْمُ الْمَنَاسِكِ الشَّرْعِيَّةِ، وَقَدْ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ أُخْتَهُ نَذَرَتْ أَنْ تَمْشِيَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ حَافِيَةً غَيْرَ مُخْتَمِرَةٍ، فَذَكَرَ ذَلِكَ عُقْبَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: " مُرْ أُخْتَكَ فَلْتَرْكَبْ وَلْتَخْتَمِرْ وَلْتَصُمْ ثَلَاثَةَ أيامٍ ".

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَهُوَ أَشْبَهُ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَفْتَدِيَ الْمَشْيَ، إِذَا رَكِبَ وَلَا يَفْتَدِيَ الرُّكُوبَ إِذَا مَشَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَرَفَّهَ بِتَرْكِ الْمَشْيِ، وَلَمْ يَتَرَفَّهْ بِتَرْكِ الرُّكُوبِ، فَإِذَا قِيلَ: بِسُقُوطِ الْفِدْيَةِ فِيهِمَا اسْتَوَى حُكْمُ تَرْكِهِمَا بِعُذْرٍ وَغَيْرِ عُذْرٍ.

وَإِذَا قِيلَ بِوُجُوبِ الْفِدْيَةِ فِيهِمَا، وَجَبَتْ فِي تَرْكِهِمَا بِغَيْرِ عُذْرٍ لِقُدْرَةِ الْمَاشِي عَلَى الْمَشْيِ وَقُدْرَةِ الرَّاكِبِ عَلَى الرُّكُوبِ، وَفِي وُجُوبِهِمَا فِي تَرْكِهِمَا لِعُذْرٍ لِعَجْزِ الْمَاشِي بِالْمَرَضِ، وَعَجْزِ الرَّاكِبِ بِالْعُسْرَةِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: تَسْقُطُ الْفِدْيَةُ بِالْعَجْزِ؛ لِاسْتِقْرَارِ الشَّرْعِ عَلَى سُقُوطِ مَا عَجَزَ عَنْهُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَجِبُ الْفِدْيَةُ مَعَ الْعَجْزِ، لِتَوَجُّهِ الْعَجْزِ إِلَى الْفِعْلِ، دُونَ الْفِدْيَةِ؛ فَيَسْقُطُ مَا عَجَزَ عَنْهُ مِنَ الْفِعْلِ، وَلَمْ يَسْقُطْ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنَ الْفِدْيَةِ لِأَنَّ الْفِدْيَةَ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ، تَجِبُ عَلَى الْمَعْذُورِ، وَغَيْرِ الْمَعْذُورِ كَالْفِدْيَةِ فِي الْحَلْقِ، وَاللِّبَاسِ فَإِذَا اسْتَقَرَّ وُجُوبُ هَذِهِ الْفِدْيَةِ فَفِيهَا وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا فِدْيَةُ تَرْكٍ؛ لِأَنَّهُ تَارِكٌ لِلْمَشْيِ الْمَشْرُوطِ، وَتَارِكٌ لِمَا شَرَطَهُ مِنْ نَفَقَةِ الرُّكُوبِ؛ فَصَارَ كَالْمُتَمَتِّعِ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ بِتَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِهِ فِي أَحَدِ نُسْكَيْهِ، فَعَلَى هَذَا تكون الفدية دم شاة، فإذا أَعْسَرَ بِهَا صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا فِدْيَةُ تَرْفِيهٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَرَفَّهَ فِي تَرْكِ الْمَشْيِ بِالرُّكُوبِ وَتَرَفَّهَ فِي تَرْكِ الرُّكُوبِ، بِسُقُوطِ النَّفَقَةِ؛ فَصَارَ كَفِدْيَةِ الْحَلْقِ الَّذِي تَرَفَّهَ بِهِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مُخَيَّرًا فِي الْفِدْيَةِ بَيْنَ دَمِ شَاةٍ، أَوْ إِطْعَامِ ثَلَاثَةِ آصُعٍ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، أَوْ صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَهَذَا أَشْبَهُ بِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ.

(مَسْأَلَةٌ:)

قَالَ الشافعي: " وَإِذَا نَذَرَ الْحَجَّ مَاشِيًا مَشَى حَتَّى يَحِلَّ لَهُ النِّسَاءُ ثُمَّ يَرْكَبُ وَإِذَا نَذَرَ أَنْ يَعْتَمِرَ مَاشِيًا مَشَى حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَيَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>