فِي ثِيَابِ الْمُرْضِعَةِ مُسْتَتِرًا بِهَا لَمْ تَصِحَّ شهادتين بِالرَّضَاعِ لِعَدَمِ الرُّؤْيَةِ قَطْعًا.
وَالثَّانِي: أَنْ يَشْهَدْنَ أَنَّ فِي ضَرْعِ الْمُرْضِعَةِ لَبَنًا بِفِعْلِ الْمَفْطُومِ، وَعِلْمُهُنَّ بِوُجُودِ اللَّبَنِ فِي الثَّدْيِ يَكُونُ بِأَنْ يُحْلَبَ فَيُرَى لَبَنُهُ، وَهَذَا مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ فِي الرجعة الْأُولَى فَأَمَّا فِيمَا بَعْدَهَا إِلَى اسْتِكْمَالِ الْخَمْسِ فَلَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ إِنْ قَرُبَ الزَّمَانُ لِتَقَدُّمِ الْعِلْمِ بِهِ، وَيُحْتَاجُ إِلَى مُشَاهَدَتِهِ بَعْدَ تَطَاوُلِ الزَّمَانِ وَبَعْدَهُ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَشْهَدْنَ بِوُصُولِ اللَّبَنِ إِلَى جَوْفِهِ، وَهَذَا يُعْمَلُ فِيهِ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ فِيهِ مُتَعَذِّرَةٌ، لِأَنَّهُ إِذَا عُلِمَ جُوعُ الطِّفْلِ، وَقَدِ الْتَقَمَ الثَّدْيِ وَمَصَّهُ وَتَحَرَّكَ حُلْقُومُهُ حَرَكَةَ الشُّرْبِ وَسَكَنَ مَا كَانَ فِيهِ من الهتم بِالْتِقَامِ الثَّدْيِ عُلِمَ وُصُولُ اللَّبَنِ إِلَى جَوْفِهِ بِظَاهِرِ الِاسْتِدْلَالِ، وَغَالِبِ الظَّنِّ الَّذِي لَا يُوجَدُ طريقاً إِلَى الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ فَجَازَتِ الشَّهَادَةُ بِهِ قَطْعًا مَعَ عَدَمِ الْمُشَاهَدَةِ، لِأَنَّهَا غَايَةُ مَا يُعْلَمُ بِهِ مِثْلُهُ كَالشَّهَادَةِ بِالْأَنْسَابِ وَالْأَمْلَاكِ حَيْثُ جَازَتْ بِشَائِعِ الْخَبَرِ فَتَحَرَّرَتْ بِصِفَةِ الشَّهَادَةِ هَذِهِ الشُّرُوطُ أن يشهدن فيقلن نشهد أنه التقم ثدييها، وَفِيهِ لَبَنٌ ارْتَضَعَ خَمْسَ رَضَعَاتٍ وَصَلْنَ كُلُّهُنَّ إلى جوفه فيحكم حينئذ بشهادتين لا ينفى الاحتمال عنها.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ هَذِهِ أُخْتِي مِنَ الرَّضَاعَةِ أَوْ قَالَتْ هَذَا أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ وَكَذَّبَتْهُ أَوْ كَذَّبَهَا فَلَا يَحِلُّ لِوَاحِدٍ مِنْهَا أَنْ يَنْكِحَ الْآخَرَ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا فِي رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ لَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا فَأَقَرَّ الرَّجُلُ أَنَّهَا أُخْتُهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ أَوْ بِنْتُهُ أَوْ أُمُّهُ، أَوْ أَقَرَّتِ الْمَرْأَةُ بِأَنَّهُ أَخُوهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ، أَوِ ابْنُهَا أَوْ أَبُوهَا كَانَ قَوْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي التَّحْرِيمِ مَقْبُولًا عَلَيْهَا إِذَا كَانَ مُمْكِنًا سَوَاءٌ صَدَّقَهُ صَاحِبُهُ عَلَيْهِ أَوْ كَذَّبَهُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ وَاسْتَحَالَ مِثْلَ أَنْ يَتَسَاوَى بَيْنَهُمَا أَوْ يَتَقَارَبَ فَتَقُولَ الْمَرْأَةُ: هَذَا أَبِي مَنَ الرَّضَاعَةِ، أَوْ يَقُولَ الرَّجُلُ: هَذِهِ أُمِّي مِنَ الرَّضَاعَةِ فَيُعْلَمَ اسْتِحَالَةُ هَذَا الْإِقْرَارِ فَيَكُونُ مَرْدُودًا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُقْبَلُ الْإِقْرَارُ وَيَثْبُتُ بِهِ التَّحْرِيمُ مَعَ اسْتِحَالَتِهِ الْتِزَامًا لِلْإِقْرَارِ، وَتَغْلِيبًا لِلْحَظْرِ وَبِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِيمَنْ قَالَ لِعَبْدٍ لَهُ هُوَ أَكْبَرُ سِنًّا مِنْهُ، أَنْتَ ابْنِي، عَتَقَ عَلَيْهِ مَعَ اسْتِحَالَةِ بُنُوَّتِهِ وَهَذَا قَوْلٌ مُسْتَهْجَنٌ يَدْفَعُهُ الْمَعْقُولُ وَالْكَلَامُ عَلَيْهِ يَأْتِي بَعْدُ، فَإِذَا ثَبَتَ مَا وَصَفْنَا وَحُكِمَ بِتَحْرِيمِ الرَّضَاعِ بَيْنَهُمَا بِوُجُودِ الْإِقْرَارِ مِنْ أَحَدِهِمَا لَمْ يُحْتَجْ فِي الْإِقْرَارِ إِلَى صِفَةِ الرَّضَاعِ وَذِكْرِ الْعَدَدِ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَصِحُّ إِلَّا عَنْ مُشَاهَدَةٍ فَاسْتَوْفَى فِيهَا شُرُوطَ الْمُشَاهَدَةِ وَالْإِقْرَارُ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى الْمُشَاهَدَةِ، لِأَنَّهُ لَا يُشَاهِدُ رَضَاعَ نَفْسِهِ مِنْ لَبَنِ أُمِّهِ، وَإِنَّمَا يَعْمَلُ عَلَى الْخَبَرَ الَّذِي يُوَثَّقُ لَهُ فَيُصَدِّقُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute